الثلاثاء، 1 سبتمبر 2020

مــــا العمــــل ؟ افتتاحية العدد 11

 

تتسارع الأحداث في مصر وأقطار عربية أخرى مثل سوريا  وتونس و يشهد الوطن العربي بأسره إعادة ترميم الأنظمة القائمة من جهة وتصاعد مقاومة الكادحين من جهة ثانية للإطاحة بتلك الأنظمة وتنطلق هنا وهناك موجات ثورية من الاحتجاجات والاعتصامات والانتفاضات، وهي التي بلغت ذروتها في مصر التي  ضرب فيها الكادحون في الآونة الأخيرة أروع آيات البطولة والفداء من أجل الإطاحة بسلطة المرشد مقدمين قوافل من الشهداء والجرحى، مما غذّى الانقسام

بين الرجعيتين الدينية والليبرالية ومن ورائهما الامبريالية العالمية، حول أفضل السبل الممكنة لإنقاذ نظام الاستغلال والاضطهاد وقطع الطريق أمام انتصار الكادحين، فكان تدخل البيروقراطية العسكرية لحسم الانقسام مؤقتا لصالح الرجعية الليبرالية التي استفادت رئيسيا مما حدث، بينما استفاد الشعب ثانويا بتخلصه من سلطة الرجعية الدينية، ولا تزال أمامه معارك ضارية أخرى سيخوضها حتى يحقق نصره على الرجعية الليبرالية ويسقط النظام القديم برمته ويبني مصر الديمقراطية الشعبية .

لقد ألحق انعدام تنظيم الجماهير ثوريّـا حتى الآن الضرر بنضال الكادحين مما جعل الرجعيات المتناحرة تستعمل قوة الشعب كأداة ضغط في صراعها مع بعضها البعض، وهو ما يستوجب عاجلا تنظيم صفوف الكادحين واتحاد الثوريين على قاعدة برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية المتحولة إلى الاشتراكية في مصر وغيرها من الأقطار العربية، أمّا إذا ظل الكادحون دون تنظيم وبقيت القوى الوطنية الديمقراطية  أسيرة برامج اليمينين الديني والليبرالي والجبهة الإصلاحية دون امتلاك خطة مستقلة للعمل الثوري فإن النتيجة ستكون كارثية مثلما كانت غداة رحيل مبارك وبن علي وعلي عبد الله صالح ومعمر القذافي، عندما استثمر اليمين الديني كفـــاح الشّــعب ووظّفه لصالح مشاريعه الظلامية .

ومن هنا فإنّ قُــوى الثّـورة مدعوّة إلى الاتحاد قبل فوات الأوان، فكل انخراط في عمل عفوي يصبّ في صالح اليمين الليبرالي سواء تم تحت غطاء فوضوي  يتنكر للتنظيم الحزبي والجبهوي أو غطاء  إصلاحي يروج للجبهة الديمقراطية الواسعة مع هذا الطرف الرجعي آو ذاك، سيكون مجرّد مأساة ثانية بعد المأساة الأولى ولكنها هذه المرة ستتخذ شكل مسخرة، واليوم فإن التخلص من حكم المرشد في مصر وغدا حكم الشيخ في تونس رغم أهميتهما كحدثين ثوريين لا غبار عليهما لن يحلا لوحدهما المشكلة إذا ما جاء بعدهما حكم الرجعية الليبرالية. ومن ثمة فإنّ كفــاح الكادحين يجب أن يصب راهنا و بصورة رئيسية في حل المسألة الوطنية الديمقراطية بما يعنيه ذلك من دحر الامبريالية وعملائها، فلا تمرد ولا عصيان ولا انتفاضة ولا ثورة إن لم تكن البوصلة تشير استراتيجيا إلى مصالح الكادحين الوطنية والطبقية.

لا يمكن للشعوب والطبقات والأمم  تحقيق نصرها بضربة واحدة فطريق الثورة صعب وشاق وفيه تعرجات كثيرة، وموجة بعد موجة وهزيمة بعد نصر ونصر بعد هزيمة، يتقدم الكادحون نحو تحقيق أهدافهم في التحرر والاشتراكية، ويرتسم أمام أعينهم في الأفق عالم خال من الاستغلال والاضطهاد ينعمون فيه  بحريتهم كاملة، وفي سبيل هذه الغاية تهون التضحيات مهما كانت كبيرة، لذلك يتوافد الكادحون في مصر على الميادين والساحات بالملايين ويواجهون آلة القمع الاخوانية بشجاعة، ويستعد الكادحون في تونس لبذل تضحيات مشابهة فبالأمس تعلم الكادحون المصريّـــون من الكادحين التونسيين شعار الشعب يريد إسقاط النظام، واليوم يتعلم التونسيون من المصريين كيف يتمردون ويسقطون حكم الشيوخ المتاجرين بالدين.

لقد كشفت المظاهرات الشعبية في مصر زيف الشرعية الانتخابيّة وخـــواء الديمقراطية الشكلية فالمحرومون من الثروة وضحايا الأمراض والأوبئة وساكني القبور لا يعرفون للديمقراطية من معنى عندما تعجز عن  حل مشاكلهم الاجتماعية، التي كانت السبب الرئيسي لانتفاضتهم ضد حكم مبارك وعندما فشل الإخوان في الامتحان الاجتماعي وواصلوا بيع مصر للامبريالية والصهيونية سقطوا سقوطا مدوّيا، وفي تونس سقط حكم الشيخ راشد الغنوشي منذ مدة طويلة في أعين الكادحين، وهو لا يستمرّ واقعيا إلا بفعل القمع والترويع والاضطهـــاد وتواطـــؤ الأحــزاب الإصــلاحيّة و الانتهازية، فشرعيته القانونية انتهت منذ أشهر أمّــا  شرعيتة الشعبية فلم تتوفر أصلا، وما جرى في مصر مؤخرا كان ممكن الحدوث قبل ذلك في تونس في مناسبات عدة، وخاصة عندما هب مئات الآلاف من البشر يوم جنازة الشهيــد شكري بلعيد تنديدا بحكم الشيخ مرددين : أكيد أكيد الغنوش قتل بلعيد، ولكن الإصلاحية خانت مرة أخرى الشعب فعوضا عن دعوة حشود المشيعين لاحتلال الميادين والساحات دعتها إلى العودة إلى المنازل. 

لقد أثبتت الوقائع الملموسة حلوها ومرها مرات ومرات أن صراع الطبقات  محرك للتاريخ الذي يتقدم رغم كل شيء إلى الأمام، طاويا في طريقه صفحات مشينة من الاستغلال والاضطهاد، وما يشهده الوطن العربي الآن من أحداث  ثورية يمتزج فيها الفرح بالألم لن تكون نهايتها إلا لصالح الكادحين فطريق الثورة يتوج دوما بالانتصار على الرجعيين الذين ترتعش أياديهم وتتلعثم ألسنتهم كلما هبّ الكادحون إلى الكفاح والثورة فهم أول من يعي ذلك الدرس منتظرين يوم السقوط الحزين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق