الثلاثاء، 4 أغسطس 2020

لزهر الصيّاحي: وداعا رفيق الكفـاح !

 


   في غفــلة من الزّمن، وعلى حين غرّة،  اختطفت المنيّـة الرّفيق لزهر الصيّاحي من بين رفــاقه وعـائلته وأحبّتـه تـاركة في صفوفهم لـوعة وحزنـا لا يُوصفـان، فكـان وقـع الخبـر على الجميـع أعنف من وقـع الموت نفسـه على قلوبهــم. رحـل لزهـر دون أو يلقي تحيّـة الـوداع، فـودّعـه الجميع في جنـازة مهيبة بأعيـن بـاكية وبقلـوب تنزف دمـا من شدّة الفـراق، وألقى عليـه رفـاق الكفـاح التحيّـة الأخيـرة معاهديـنه على مواصلة طّريـق الثّـورة الذي خطّو خطـواتـه الأولـى معـا وعلى الـمضيّ قدمـا على نفس خطـى الفقيــد.

   لزهر كان مقبـلا على الحيــاة، فأخــذ منها نصيـبا وفيــرا كأنّــه كــان يعـدّ مبكّـرا لرحلتـه الأخيـرة... وهـا هو لمّـا ارتحل أخــذ معــه قلوب الـرّفــاق تــاركا في عهدتهـم حُلمــا طالما انتظره متى يُزهــر وزهرتــان تشقّـان طريقهما في الحيـاة وتكبران على ذكرى صدر واسـع.

   رفيقنا لـزهـر، إنّا نعاهدك مجدّدا كما عاهدناك يوم أودعناك تربة الأرض التي أحببت أنّا لن نتراجع عن المبادئ وعن الكفاح في سبيل خلاص الوطن الذي وهبت عمرك للنضال في سبيل حريّته وفي سبيل انعتاق جموع الكـادحين الذين خسروا بموتك مناضلا مقداما، وأن نظلّ حضنا دافئا لعمر ورهف.

----------------------------------------------------------------------

  الرفيق لزهر الصياحي يغادرنـــا

    توفّي يوم 19 أفريل الرفيق لزهر بن عمر الصياحي في الطريق الرابطة بين صفاقس والغرابة جراء حادث سير وهو مولود يوم 12 ديسمبر 1975 في الرقاب من ولاية سيدي بوزيد في عائلة كادحة من الفلاحين وزاول تعليمه الابتدائي بالرقاب والثانوي في سيدي بوزيد والعالي في مدرسة المهندسين بقابس واشتغل حتى وفاته مهندسا في محطة الإرسال الإذاعي بالغرابة ولاية صفاقس وهو متزوج وأب لطفل وطفلة.                      

   انتمى الرّفيق مبكّرا إلى الحلقات والمجموعات الثورية وكان من المؤسسين لحزب الكادحين

عضوا في لجنته المركزية وشارك في الكفاح الثوري السري ضد سلطة بن على وكان من بين المناضلين الذين اشتبكوا مع قوات البوليس في شوارع صفاقس خلال انتفاضة 17 ديسمبر كما أشرف على الاتصال مرارا بجهة سيدي بوزيد .  

   عرف الرفيق بجرأته وإقدامه ودماثة أخلاقه ووفائه لخط الكفاح والثورة وحبه للوطن والشعب والتزامه بخدمة قضايا الكادحين فاستحق دوما احترام رفاقه وأصدقائه الذين تملأ اليوم قلوبهم اللوعة وهو يغادرهم فجأة.    

   وحزب الكادحين وهو ينعى لجماهير شعبنا الرفيق لزهر فانه يؤكد أن الثوريين يموتون ولكن ذكراهم تظل حية من بعدهم تدفع قوافل المناضلين المتلاحقة على طريق الثورة.  

  حزب الكادحيـــن

 20 أفريل 2016


----------------------------------------------------------------------------------------

ورقة من الذاكرة: لزهر الصياحي كان من الرّجال الحمر  - فريـــد العليبي 

   كانت دادا (أمّي) وأنا لم أتعد السنوات الخمس من عمري تحدثنا عن الرجال الحمر وعندما دخلت المدرسة الابتدائية بحثت عن هؤلاء في شوارع قريتي الصغيرة الممتلئة بكبرياء فقراء الفلاحين، معتقدا أن هناك رجالا بيضا وآخرين حمرا.

   كنت أعرف البيض أما الحمر فلا ففتشت عنهم غير أنى لم أجدهم، وعندما عدت مساء إلى خيمتنا المنصوبة على ضفاف وادي اللبن وكانت مأوانا صيفا وشتاء وربيعا وخريفا أبديت لها استغرابي فقد بحثت عن الرجال الحمر دون نجاح، واذكر أنها ابتسمت وهي تقول "ستكبر وتجدهم يا ولدي".

 ومرت السنوات مسرعة وكبرت ووجدت في مجراها الدافق الرجال الحمر وهم بشر من طينة أخرى يعسر الفوز برفقتها، وكان لزهر الصياحي واحدا منهم .

   عشت مع الرجل تجارب ثورية وصداقة شخصية، منذ لقائه وهو طفل في السنوات الأولى من التعليم الثانوي حتى وفاته، هو الذي كانت تحلو له مناداتي بـ"أبو Appo" تيمّنا بالثائر الكردي، وفي العشر سنوات الأخيرة كان الزمن الذي يقضيه معي ومع رفاقه في صفاقس يفوق ذلك الذي يقضيه مع إخوته وأمه وأبيه.

   ليل الثلاثاء الأربعاء انتظرنا، وعندما وصلنا إلى باب غرفة العناية المركزة سلم آخر نفس وودعنا....في الغد (20 أفريل 2016) واريناه الثرى في جنازة مهيبة... بكته كادحات وكادحو الوطن بدموع من دم...كان الفراق عسيرا... كأنما كان في وداعه جنب البشر الشجر والطير والحجر.

  كان جبل قبرار حارس "الرقاب " شامخا كعادته منذ آلاف السنين يحتضن الفراق الحزين ويمد الجميع بصبر الصخور وتتردد في أرجائه أصوات النساء الباكيات النائحات وآهات وحسرات الرجال الذين عرفوا لزهر في مر وحلو اللحظات.

   يرقد لزهر الآن في سفح حارس "الرقاب" الذي شهد يوما زغردة رصاص العز ضد المستعمرين الفرنسيين... يرقد مثل طفل بين يدي قبرار وهو يرقب من الأعالي أشجار اللوز والزيتون وكروم العنب والتين ويستمع إلى أغاني الرعاة المبكرين فجرا والعائدين مساء بعد تعب يومهم إلى بيوتهم، وترف من حوله أجنحة النسور العائدة إلى أوكارها ليغنى معها لحن العودة الأزلي منذ كان الموت حياة والحياة موتا...فقد عاد مثلها إلى وكره لينام إلى الأبد.... عاد إلى الجبل .

   في قوانين جدل الموت والحياة أنجب عمر لزهرا ومضى وأنجب لزهر عمرا ومضى وسينجب عمر لزهرا من جديد.... وسيلتقي جبل قبرار بجبل بوهدمة سامع أولى صرخات حياتي في ظلال واد اللبن واهب مائي وغذائي ليعزف الجميع سيمفونية الرجال الحمر....وسيرقص الشجر..



 

   لمَ لمْ تَقُـــلْ ؟                                          بقلم فـاروق الصيّاحي

مهداة إلى الرّفيق لزهــر

هناك على قدم جبلْ

اِلتقيْنا للمرّة الأولى

كُنّا رضيعيْن في أيّامنا الأولى

هاجمني الجوع

ولم يكن لديّ حلْ

فهاجمتُ ثدي أمّك..

هاجمني الجـوع.. فهاجمت ثدي أمّك

و لستُ أدري إن رضيتَ بما حصلْ

ثمّ افترقْنــا... ولم تقُــلْ

...

حين تقدّمت بنا الطّفولـة

التقينا من جديد في المدرسة

في سنواتنا الأولى

ثمّ افترقنا من جديد ولم تقُــلْ

...

التقينا من جديد

لمّا عدت من بوزيد

لتكمل الأعوام الأخيرة من الدّراسة

صرنا أكبـرْ

نردّد الأغاني

نعشق الكتب

و نزرعُ الأمـلْ

دون أن نمــــلْ

حتّى افترقنا من جديد

فارتحل كلانا إلى العمــلْ

لكنّك لم تقــلْ

...

ومضت السنين على عجــلْ

فصرنا نلتقي كلّما هزّنا الحنينُ

و لم تقــلْ

...

في اليوم الأوّل من هذا العــام

صبّحتُ على وجهك

كان مشرقا، مفعما بالحياة وبالأمــلْ

و كنت كعادتك مرحا فرحا

تسألُ بين هنا وهناك وترتحلْ

و افترقْنــا

إذ كُنت على غير عادتك

كُنتَ على عجــلْ

و هذه المرّة أيضا

ذهبْتَ ولم تقـلْ

...

كــان ذاك بعد أربعين عاما

من لقائنا الأوّل على قدم الجبل

لم أكن أعرف أنّه اللقاء الأخير

إلاّ لمّا جئت لوداعك الأخير

واعترضتني أمّك/ أمّي

أختك/ أختي.. والكلْ

 بذاك السّؤال :

أين تركْت أخــاكَ ؟

أين تركْتَ أخــاكْ ؟

حينها سال دمعي على صدر أمّك

وحينها صرتُ أدركْ

لمَ مضيْتَ بعيدا ولمْ تقــل...

-----------------------------------------------------------------------------

 













ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق