الاثنين، 31 أغسطس 2020

مـــا العمـــل ؟ اِفتتاحيّة العدد الأوّل

   تتواصل الاحتجاجات الشعبية في تونس دون توقّف، ففي الحنشة من ولاية صفاقس فجرت محاولة النهضة السيطرة على جمعية تنموية مواجهات دامية راح ضحيتها العديد من الجرحى و تسببت في إيقاف ما يزيد عن الستين شخصا، و في بوشمة من ولاية قابس دارت مواجهات حامية راح ضحيتها عشرات الجرحى، والسبب إصرار النهضة على تنصيب أحد أعوانها رئيسا للدائرة البلدية، و قبل ذلك شهدت سيدي بوزيد مواجهات مماثلة، وخرجت مظاهرات عارمة، ونفذ إضراب عام على خلفية مشاكل اجتماعية مثل صرف مرتبات عملة الحظائر والتنمية في الأرياف .

   وفي مختلف هذه المناسبات قدمت الجماهير المنتفضة آيات من البطولة في الكفاح من أجل حقوقها في الشغل والحرية والكرامة جابهتها حكومة الترويكا  بالقمع البوليسي الذي لم ينج منه الشيوخ والأطفال والنساء حتى أن المحتجين في مدينة الحنشة شبهوا حالهم بحال الفلسطينيين تحت الاحتلال الصهيوني .

   والثابت اليوم في تونس هو إن الشعب يقاوم والسلطة تقمع، وهو ما يمثل مواصلة لما كان عليه الوضع خلال حكم بن علي، مما يعني أنّـه لا شيء جوهري قد تغير، بل إن الأوضاع الاجتماعية التي فجرت انتفاضة 17 ديسمبر 2010 قد ازدادت سوءا، وهو ما سوف يترتب عنه المزيد من الاحتجاجات و الكثير من القمع أيضا، فالشعب الذي يريد تحسين ظروف عيشه يصطدم بتواصل النهب   والبطالة وزيادة أسعار المواد الغذائية وأزمة السكن الخ..بل إنه أصبح يعانى من مظاهر بؤس جديدة مثل قطع الماء والكهرباء، وتفشى الأوبئة وتكدس الأوساخ في الشوارع والساحات .

   ومن يوم لآخر تكتشف الجماهير الشعبية أن النهضة وحلفائها قد خدعوها فقد وعدوا بمئات الآلاف من مواطن الشغل ولم يحققوا من ذلك شيئا يذكر، فالسلطة عاجزة عن حلّ المشكلات الاجتماعية، فقد حافظت على جوهر الاختيارات الاقتصادية لحكم بن علي، وهذا العجز يدفعها إلى اختلاق مشاكل وهمية للتغطية على المشاكل الحقيقية فتقسّم الجماهير على أساس المذاهب الدينية والانتماءات الجهوية والعروشية، وهو ما أدّى في جهات عديدة إلى صدامات دمويّــة.

   والمطلوب اليوم لمواجهة قمع الرجعية وتقسيمها صفوف الشعب مواصلة النضال بقوة أكبر فأكبر، فالمطالب الاجتماعية المشروعة يجب أن تكون في صدارة الاهتمام وهذا هو المجال الذي تتوحّد فيه جمــاهير الكادحيــن في كل الجهات والقطاعات، وهذه الوحدة كفيلة بدفع السيرورة الثورية في تونس إلى الأمـــام.

   يتّسع الآن في تونس تأثير اليمين مدعوما بالرجعية العربية والعالمية، ويتساوى في ذلك اليمين الديني واليمين الليبرالي هذا من جهة، ومن جهة ثانية يتفسخ اليسار الانتهازي ويلتحق جهارا نهارا بالرجعية الليبرالية أو بالرجعية الدينية، وتهب على تونس رياح سوداء ولكن الشعب يقاوم بعناد.

   في مثل هذا الظرف نحن في حاجة إلى جريدة سياسية تقول الحقيقة كل الحقيقة للجماهير، و توحد حركة كفاحها، و هو ما تحاول القيام به "طريق الثورة"، التي نتمنى ان تكون صوتا لكل الكادحين و أن ترسم بعناية الطريق إلى الحرية  .

   لقد استفاد اليمين الديني والليبرالي بشكل خاص من الانتفاضة جراء وضع دولي وعربي مناسب، ومن المهم قراءة صعود اليمين قراءة موضوعية و تحديد الخطط الكفيلة بوقفه، و فتح طريق الثورة مجددا وهو ما لن يتم دون التصدي لنفوذ  الامبريالية والرجعية العربية الذي يستمد منه ذلك اليمين عوامل قوته .

   إن النّضال ضد اليمين بأشكاله المختلفة  يحتاج الآن إلى كوادر سياسية وثقافية وإلى برنامج مواجهة يقوم رئيسيا على الارتباط بالجماهير كالسمكة في الماء وتنظيم كفاحها من خلال المؤسسات الثورية المناسبة، ويحتاج  الثوريون في هذا المجال إلى مبادرات ثورية توحد صفوفهم لانجاز هذه المهمة، بعيدا عن اللهث وراء عفوية الحركة الجماهيرية والتذيل لها وبعيدا أيضا عن النخبوية البرجوازية الصغيرة المقترنة بالانعزال عن تلك الجماهير. ومن هنا الحاجة إلى  إنشاء ائتلاف ثوري واسع يشتغل على الملفات السياسية والاجتماعية والثقافية فكرا وممارسة.

  لقد كانت سلطة بن علي آيلة للسقوط، ولو توفرت أدوات الثورة لاختلف وضع تونس الآن كليا،  فقد  لعب اليسار الانتهازي دورا تخريبيا لإرباك قوى الثّــورة وتشتيتها  فسار البعض منه  في ركاب بن علي ممنيا النّفس بفتات موائده و لكنه  لم يجن غير الخيبة، أما البعض الآخر فسار في ركاب النهضة ولم يجن أيضا غير الخسران، واليوم أيضا فإنّ الانتهازية تمنّي نفسها بقطف ثمار الانتفاضة بالسير في ركاب المشروع الامبريالي المسمّى المسار الديمقراطي ولن تجني غير خيبات مضاعفة.    

*****************************************************
طريق الثّــورة، سبتمبر 2012


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق