الاثنين، 31 أغسطس 2020

مـــا العمـــل ؟ افتتاحيّة العدد 2

    بعد مشاورات استمرّت لبعض الوقت غلب عليها التكتم وشاركت فيها رئيسيا الأطراف التي انضوت سابقا تحت ما سمّي بجبهة 14 جانفي تم في تونس تأسيس جبهة جديدة تحت مسمّى "الجبهة الشعبية" وقد عقدت ندوة صحفية للإعلان عن تأسيسها وأصدرت مشروع أرضيتها السياسية  ووجّهت نداءً لتحقيق أهداف الثورة وهي تستعد لتنظيم اجتماع جماهيري يوم 7 أكتوبر 2012 بتونس العاصمة للتعريف ببرنامجها.

   و تقدّم الجبهة نفسها باعتبارها تمثل طريقا ثالثا في مواجهة الاستقطاب الثنائي بين النهضة ونداء تونس وتبدي حرصها على إنقاذ تونس وثورتها وأنها ليست جبهة للاحتجاج بل جبهة لحكم البلاد.

   و بالاطّلاع على المحاور الثلاث التي اشتملت عليها الأرضية السياسية وهي المسألة الوطنية والديمقراطية والمسألة الاقتصادية والاجتماعية والمسألة الثقافية والتربوية نلاحظ أنها  تلخّص القضايا العامة التي درجت  فصائل اليسار على ترديدها طيلة سنوات طويلة دون تفصيل و الغاية في مثل هذه الحالات هي تجميع أكثر ما يمكن من الأطراف السياسية حول المشترك من القضايا.

  تتحدث الجبهة عن الثورة التونسية وضرورة استكمال أهدافها وتقارن بين "النظام السابق" و"النظام الحالي" وكأنّ هناك تغييرا نوعيا قد حصل في تونس وهذا ليس مستغربا فابرز مكوّناتها اعتبرت ما حدث في تونس ثورة بينما تراجعت بعض المكونات الأخرى عن ذلك معتبرة ما حدث انتفاضة و الواضح هنا أن الاضطراب لا يزال سائدا في تحديد طبيعة ما حصل في تونس بين 17 ديسمبر 2010 و 14 جانفي 2011 لدى معظم الأطراف المكونة للجبهة .

   و في تحديدها لآليات تحقيق ما تسميه  أهداف الثورة فإن الجبهة لا تذكر غير الانتخابات مما يعزّز الرأي القائل أنها جبهة انتخابية من حيث جوهرها رغم أنها تقول عكس كذلك.

   وقد تحدّثت في بيانها عن تهديد حكومة الترويكا للنسيج الاجتماعي وكأنها معنية بالمحافظة على هذا النسيج في حين أن الثورة تقتضي إعادة بناء ذلك النسيج على أسس جديدة يتمتع من خلالها الوطن بالحرية ويحكم الشعب نفسه ويحصل المنتجون على ثمار عملهم. ويتحدّث البيان عن السيادة الوطنية وقيم الجمهورية كما لو كانت موجودة فعليا كما يشير إلى المبادئ التي أقرّتها الثورة دون أدنى تحديد، ويدخل ذلك في إطار الضبابية التي بيناها سابقا بخصوص فهم ما جرى في تونس وهل هو انتفاضة أم ثورة ؟

  وفضلا عن هذا نجد حديثا مستهلكا روّج له الامبرياليون الأمريكيون على مدى السنوات الأخيرة وهو النضال ضد الدكتاتورية  وتبناه حزب العمال في تونس وكأنّ النظم السياسية في أوروبا وأمريكا والكيان الصهيوني على سبيل المثال هي ديمقراطية وغيرها من النظم ديكتاتورية، والحقيقة أن مختلف النظم السياسية في المجتمعات الطبقية نظم ديكتاتورية، والغاية من هذا الخلط هي الترويج للديمقراطية البرجوازية وحجب الطبيعة الحقيقية للأنظمة السياسية، ومنها تلك السائدة في الوطن العربي باعتبارها نظما لا وطنيّــة ولا ديمقراطيّــة ولا شعبيّــة.

    ومع هذا فقد تضمّن مشروع الأرضية والنداء المشار إليهما  جوانب ايجابية، مثل الإقرار بأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ظلت على حالها، وأن هناك استعمارا فلاحيا يستدعي ضرورة الإصلاح الزراعي، وتوصيف  تونس باعتبارها لا تزال خاضعة للدوائر الامبريالية ولتأثير المحور التركي الخليجي الذي ترعاه الامبريالية الأمريكية، وسيطرة الميليشيات وغض الطرف عن التكفيريين، وضحيّة للفوضى في الإدارة والتعامل مع الكادحين كرعايـا والتهديد الذي تمثله الرجعية بتقسيم الشعب مستعملة  الدين.

 ليس هناك من شك أنّ القطع مع التشتت الذي تعيشه قوى الثورة أمر إيجابي، وأن تأسيس تحالفات واسعة في هذا الوقت بالذات أمر حيوي، يستوجبه كفاح الكادحين من أجل التــحرّر الوطنــي الديمقراطــي والاشتراكية، غير أن تلك التحالفات يجب أن تكون على أرضية الثورة لا على أرضية مشاركة الرجعية السلطة، وتقاسم الغنائم معها على حساب الشعب، و من هنا ضرورة الحرص على ألا يؤول تأسيس الجبهة إلى مجرد خطوة تكتيكية لتحسين شروط التفاوض مع الرجعيتين الدينية والليبرالية، للفوز ببعض الحقائب الوزارية بعد الانتخابات القادمة.

***************************************************

طريق الثّــورة، أكتوبر 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق