الخميس، 19 نوفمبر 2020

رأس المال: حلّ الأزمة بمزيد استغــلال الكادحين


    صرّح نائب رئيس المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، وليد بالحاج العمر، بأنّ من يمثّلهم، أي رؤساء المؤسسات، يطالبون اليوم بهدنة اجتماعية. ويقصد ممثّل رؤوس الأموال بالهدنة الاجتماعيّة إيقاف الزيادات في الأجور. بل، وذهب إلى 

أكثر من ذلك، فحدّد المدّة الزّمنيّة التي يجب فيها فرض هذا الإيقاف وهي ثلاث سنوات كاملة على الأقلّ. هذا التّصريح أدلى به إلى إحدى الإذاعات يوم الأربعاء 18 نوفمبر 2020.

  طبعا، ليس من الغرابة في شيء أن تصدر مثل هذه التّصريحات عن ممثّل لمالكي المؤسّسات التي تنهب ثروات البلاد وتمتصّ عرق الكادحين والكادحات وتكدّس الأرباح من جهدهم، فذلك هو دوره وما مهمّته إلاّ الدّفاع عن المصالح الاقتصاديّة لطبقته الاجتماعيّة. وما الهدنة الاجتماعيّة إلاّ إيقاف الزّيادة في الأجور كما خبرتها الطّبقات الكادحة منذ سبعينات القرن المنقضي، بالرّغم من أنّه كان بإمكان هذا الرّئيس لو كان يمتلك ذرّة من الوطنيّة ومن الإحساس الاجتماعيّ أن يضيف إلى ما قاله هذه العبارات "مع إمكانيّة تحيينها إذا فرض الواقع المعيشيّ ذلك"، ولكن من أين له ذلك ؟ طبعا، هو لا يدرك أنّ الأرباح المرجوّة التي سيحقّقها هو وطبقته من خلال "الهدنة الاجتماعية" التي لن يتحمّل أعباءها سوى الكادحون والكادحات ستخلق مزيدا من الغضب ومن الغليان الاجتماعي وهو ما سيؤدّي إلى انتفاضة هؤلاء، وهو يتجاهل التّاريخ او هو يجهله بالفعل والحال أنّ انتفاضة جانفي 1978 والتي نتجت عن هدنة اجتماعية قاسية بالنسبة للطبقات الكادحة ليست ببعيدة.

  أمّا ما يثير الاستغراب في هذه التّصريحات، فهو جهله أو تجاهله لواقع الأجور في هذا القطر وفي الوطن العربي بصفة عامّة باعتباره يمثل المؤسسات العربية حسب الخطّة التي يشغلها. فمن يسمع كلامه يخيّل إليه أنّ أجور العمّال والموظّفين تتزايد بشكل يثير الانزعاج ممّا يتطلّب إيقافها، وأنّ هذه الزّيادات المزعومة هي المتسبّب في الازمة الاقتصادية الاجتماعيّة في هذه البلاد ومن بينها الازمة التي يدّعيها هذا البرجوازي والتي مسّت تلك المؤسّسات. لذلك، يرى أنّ إيقاف الأجور سيمكّن تلك المؤسسات من حوافز إضافيّة لمزيد الاستثمار، وهو يعي جيّدا ما يقول. فعلا إنّ إيقاف أجور الكادحين والكادحات سيفتح الباب أوسع أمام مزيد الاستثمار في عرقهم وكدحهم واستغلالهم من قبل أرباب العمل وربّما كسر ذلك الباب نهائيّا وإزالته من مكانه وهو ما يعني ضرب الحقوق التي اكتسبها أولئك الاجراء عبر نضالاتهم الطويلة وكفاحهم المضني.

من جانب آخر، وفي علاقة بالوضع الاقتصادي المتأزّم، اقترح نائب رئيس مالكي المؤسسات كحلّ لهذا الوضع أن يقع إعلان حالة الطوارئ الاقتصاديّة، بل طالب بفرض ذلك. وشرح في هذا الإطار بعض تفاصيل هذا الحلّ مثل إقرار عفو شامل على قضايا الصّرف وكذلك التقليص من البيروقراطية. امّا الهدف من وراء هذا المقترح/الفرض فهو حسب تعبيره "تحسين مناخ الاستثمار".

مرّة أخرى، يحافظ هذا البرجوازي على مستوى الأمانة لمصالح طبقته مع أنّه يعتبر ما يقترحه ويريده ان بفرض هو حلّ للأزمة الاقتصاديّة الشاملة والحال أنّه يختزل الهدف في توفير مناخ أفضل للاستثمار للشركات والمؤسسات التي يمثّلها. إذن، هو يختزل الازمة في أزمة تلك المؤسسات أمّا باقي جوانب الازمة فلا تهمّه، غير أنّ الحلّ بالنسبة إليه هو حلّ واحد ووحيد وهو الذي طالب بفرضه حتى يحقق ذلك الهدف الضيّق.

   هذه التّصريحات جاءت في ظلّ ما يشاع حول مبادرة تقدّم بها الاتحاد العام التونسي للشغل تدور حول دعوته إلى "حوار وطني" أو مبادرة تهدف إلى إنقاذ البلاد من أزماتها ومنها الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وبذلك فإنّ رأس المال وخصوصا الكمبرادوري سيهرول إلى التعامل مع هذه المبادرة مستعملا مختلف أسلحته من أجل الحفاظ على مكاسبه وتدعيمها ولن يضيع الفرصة التي قد تتيحها له هذه المبادرة التي لم تزل تفاصيلها مجهولة إلى الآن.

   للإشارة، فإنّ وليد بالحاج عمر، إلى جانب خطّته كنائب رئيس للمعهد العربي لأصحاب المؤسّسات، يشغل رئيس مركز تونس لليقظة والذكاء الاقتصادي. ويعتبر من بين المدافعين الشرسين عن اتفاقية الأليكا ومن أكثر المتحمّسين لتطبيقها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق