الثلاثاء، 5 يناير 2021

محمّد مزالي يعتبر انتفاضة الخبز "مؤامرة" !!!؟


   أنكر محمّد مزالي، وزير بورقيبة الذي كان يشغل خطّة الوزير الأوّل أيّام احداث انتفاضة الخبز، أن تكون له أدنى مسؤوليّة عن أحداث انتفاضة جانفي 1984 في تونس والتي اندلعت من الجنوب التونسي في 29 ديسمبر 1983 وانتشرت شرارتها في بقيّة الجهات وتواصل خلال الأيام الأولى من سنة 1984. ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ حيث انّــه، وخلال حوار صحفي في سنة 2007، تحدّث عن "مــؤامرة الخبز" وقد نسب هذه المــؤامرة إلى الحاشية التي كانت تدير الأمور من قصر بورقيبة.

   هذا ليس مستغربا من جميع المسؤولين الذين إذا ما تغيّرت الأوضاع وغادروا مناصبهم ينكرون كلّ مسؤولياتهم عن كلّ ما حدث خلال تولّيهم لمناصبهم ليظهروا أبرياء ونظيفي الأيادي ويلقون بالمقابل المسؤوليّة  على آخرين يختلقونهم من نسج خيالهم، ومحمّد مزالي ليس استثناءً بعد ان كشفت لنا انتفاضة 17 ديسمبر 2010 قائمات طويلة وعريضة من أسماء كانت مسؤولة بشكل مباشر عن المجازر التي ارتكبها النظام في حقّ الشعب تحاول الظّهور في صورة الحمل الوديع مستعملة كلّ الحجج والتبريرات والاكاذيب تساعدها في ذلك آلة اللإعلام الرّجعيّة التي تعوّل على قصر ذاكرة البعض، لكنّ الشعوب لا تنسى والتّاريخ لا يرحم.

و هذه مقتطفات من ذلك الحــوار وهو متعلّق بانتفاضة 3 جانفي 1984 ننقله كما هو :

ولكن الحقيقة التي يجهلها الناس، وهي أن "مؤامرة الخبز" هذه، جاءت من فوق، ومن قصر بورقيبة بالذات، لقد خطط لها في القصر الرئاسي، ولم تأت، كما ظن البعض من الشعب أو من المعارضة.

 هذه لا ليست ثورة ولا انتفاضة، كما قلت سابقاً إنها مكيدة حيكت ضدي في قصر بورقيبة سأحكي لك تفاصيلها لاحقاً وقد دبرت تلك المكيدة وسيلة بورقيبة التي كانت تحكم تونس لما كان لها من تأثير على زوجها، وخصوصاً في مرحلة اعتلال صحته ثم ما لبثت أن تخاصمت وسيلة مع بورقيبة ففقدت أثرها، لتحل مكانها سعيدة ساسي التي سبق ذكرها مهام رئيس الجمهورية.

إذن لم تكن أنت سبباً في اندلاع هذه الثورة؟

- على العكس، لقد كنت الوحيد، في مجلس الوزراء، الذي عارض بورقيبة في قراره برفع تسعيرة الخبز، وإنني أتحدي أي وزير، من تلك المرحلة، حتى ولو كان اليوم في السلطة، أن يجرؤ ويقول لي، أمامك، إن ما ذكرته غير صحيح لقد كنت الوحيد الذي عارض برقيبة في هذه القضية، مدّة أربعة شهور .

- وسيلة كانت وراء "مؤامرة الخبز" كما تقول؟

- طبعا كانت مؤامرة مدبرة ضدي في قصر بورقيبة وسيلة هي التي أوعزت إلي ولاة المناطق التونسية أن يثوروا ضد الحكومة، تماما كما لو أن مدام ميتران تقول للوزير بيار جوكس "وزير داخلية في عهد الرئيس فرانسوا ميتران".

أرسل إلي محافظ باريس تعليمات لكي يثير الجماهير وينزلوا إلي الشارع هذا أمر لا يصدق لكنه حدث فعلا في تونس فيما أسميه مؤامرة الخبز وقد بلغ المشهد ذروته السوريالية عندما أرسل لي وزير الداخلية، في حكومتي، إدريس قيقة، من ينصحني بالاستقالة بشرف وإلا فالطرد مع الاهانة هل يعقل أن يخاطب وزير داخلية رئيس الحكومة بمثل هذه اللهجة؟ لكن هذا ما حدث معي فعلا.

-من الذي نقل إليك رسالة قيقة ؟

- رئيس الحرس الجمهوري وقد أبلغت الرئيس بورقيبة بتفاصيل هذا السلوك الغرائبي، فاستدعى رئيس الحرس الجمهوري، هذا، وشتمه وطرده .

مؤامرة وسيلة

-لا ريب أن ما تقوله يدخل في باب الغرائب السياسية، إلا أن هذا لا يلغي أصل الأزمة، أي ارتفاع تسعيرة الخبز؟

- إليك الحقيقة كما هي لقد استطاعت وسيلة أن تقنع، بمساعدة وزير الداخلية قيقة، بورقيبة بأن تسعيرة الخبز متدنية جدا، إلي درجة أن مربي الدواجن باتوا يطمعون الحيوانات الخبز بدلا من العشب والشعير وأمرت وسيلة مدير التلفزيون والإذاعة أن يصور أكداسا من الخبز مرم.

وبعد أخذ ورد، قررنا أن نرفع تسعيرة الخبز ابتداء من غرة يناير (كانون الثاني) 1984، بعدما اتخذنا الإجراءات اللازمة للتعويض على الشعب الكريم لقاء هذه الزيادة واندلعت الأحداث في الجنوب منذ التاسع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) 1983 بدأت هذه الأحداث في ولاية قبلي الجنوبية التي يتولاها شخص يدعى حفصة، كنت قد رأيته بعيني هاتين يرقص أمام وسيلة بورقيبة أذكر لك هذا لكي تعرف قيمة هذا الإنسان.

- ثم راح إسماعيل قيقة، وزير الداخلية يتصل بولاة المناطق، الواحد بعد الآخر، مستنكرا أن يسودها الهدوء بدلا من الاضطرابات والتظاهرة ومثال على ذلك، اتصال قيقة، هذا، بوالي نابل يسأله عن الأحوال الأمنية في المنطقة السياحية الحمامات فرد الوالي إن الوضع الأمني طبيعي، ولا شيء يعكر صفو الأمن فما كان من قيقة إلا أن شتمه فاستغرب الوالي وقال للوزير "كنت أتوقع أن تشكرني لأن الأمن مستتب، فإذا بك تشتمني والله لم أعد أدري ما أقول لك أيها السيد الوزير".

-وعندما سال الدم في الشوارع وسرقت بعض المحال التجارية، أقنعوا بورقيبة بالتراجع عن زيادة تسعيرة الخبز وأعد خطاب للرئيس يعلن فيه عن العودة عن هذه الزيادة فمضيت إليه، قبل أن يسجل خطابه، وقلت له سيدي الرئيس، يبدو أنك ستتراجع عن زيادة تسعيرة الخبز .فأجاب نعم، لأن الشعب لا يستطيع تحمل أعباء هذه الزيادة فقلت له أرجو أن تمنح الحكومة مدة ثلاثة أشهر لكي نتدبر أمر العجز الذي سيلحق بالخزانة، من جراء هذا التراجع فقال لي طيب لك ما تطلب ثم سجل خطابه الذي يقول فيه إنه أقتنع، هو شخصيا، بضرورة رفع سعر الخبز ورئيس الحكومة، محمد المزالي قد وافقني على ذلك هذا الخطاب مسجل ومحفوظ في الأرشيف لمن يود الرجوع إليه وتظل هناك نقطة ألمح إليها بورقيبة، وهي قوله إنني وافقته على زيادة التسعيرة هذا صحيح، ولكن مع التوكيد أنني كنت الوحيد، في الحكومة، الذي عارضته على هذه الزيادة مدة أربعة أشهر .

   إلا أن المهم في هذا الموضوع، هو تحمل بورقيبة مسؤولية قرار زيادة التسعيرة، في حين أن المجموعة المحيطة به، كانت تنتظر منه أن يحملني كامل المسؤولية، فأغدو والحال هذه كبش فداء قضية مفتعلة، ومؤامرة حيكت خيوطها في قصر بورقيبة للتخلص مني .

   وتبقى هناك حادثة تستحق أن تروي لكي تتأكد، نهائيا، من "انتفاضة الخبز" ليست غير مؤامرة دنيئة كنت في كتابي "شاهد على العصر" قد تحدثت عن قضية الخبز، هذه، وأغفلت سهوا مني، واقعة كان قد رواها لي مناضل تونسي من شمال البلاد فإذا به يتصل بي بعد صدور الكتاب المذكور، ويقول "ذكرت لك تلك الواقعة، يا سي محمد، فلماذا لم تذكرها؟".

   ما هي هذه الواقعة التي كنت قد نسيتها فلم أذكرها في "شاهد على العصر ؟" هي ما رآه هذا المناضل بعينيه، وهو أنه التقى بمجرم محكوم عليه بالسجن عشر سنوات طليقا حرا، هكذا فجأة فسأله ماذا تفعل هنا؟ متي وكيف خرجت من السجن ؟ فقال له السجين لقد أعطوني، أنا وبعض المساجين عطلة مدتها أسبوع شرط أن ننهب ونسرق المحال التجارية ونحرق المنشآت العامة خلال هذه المدة قبل أن نعود مجددا إلى السجن.

إذن، هل هذه انتفاضة حيث يطلق وزير الداخلية مجرمي الحق العام من السجون مدة أيام لكي يقوموا بما أمروا به من أعمال السرقة والقتل والشر؟ الجواب معروف سلفا.

----------------------------------

الحوار من جريدة الوسط، 2007 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق