ليلة المسيرة حذّرت السفارة الأمريكية في تونس رعاياها من الاقتراب من التجمعات والمسيرات في العاصمة بما يفيد أن وراء الأكمة ما وراءها ويذكر بالحالة التركية عنما قام ارهابيون بتفجير مسيرة شعبية معادية لحكم أردوغان فسقط ضحايا كثيرون. ورغم ذلك كان هناك ترجيح ان تكون مسيرة 6 فيفري في العاصمة عادية تماما وأنه ستفتح أمامها الشوارع وسيتولى الأمن الحراسة لامتصاص الغضب أوّلا وتوقيع شهادة وفاة الاحتجاجات الشعبية الأخيرة ثانيا.
انطلقت المسيرة من ساحة حقوق الانسان، ومرت بشارع محمد الخامس قبل أن تتجه الى نهج مختار عطية ومنه إلى شارع باريس وصولا إلى شارع بورقيبة، الحضور من الجنسين ومن مختلف الأعمار أيضا، قوات البوليس كانت تجوب الشوارع الخلفية خاصة شارع مرسيليا في سيارات رباعية الدفع وحافلات صغيرة، الشعارات سياسية حول القمع والفقر والبطالة والاغتيالات، صور لغيفارا ولافتات بها منجل ومطرقة ونجمة بما يؤكد الهوية اليسارية للمسيرة، تركز غضب المتظاهرين على التنديد بحكومة المشيشي ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، بعض الشعارات عكست حضورا نسويا مثل لا للذكورية ويا مشيشي يا ذكوري وهذا ما لم أسمعه سابقا، هناك لافتة أيضا تشير الى مناهضة الفاشية، الشوارع كانت شبه خالية وأكثرها مغلق عدا شارع باريس الذي فتح البوليس بوابته ليمر المتظاهرون الى جزء قليل من شارع بورقيبة حيث عمد الى وضعهم بين جدارين جدار أمني مقابل نزل افريكا والجدار الأمني الثاني قبالة دار الثقافة ابن رشيق.
افراغ الشوارع والانهج من السيارات والبشر هذا ما لم يحدث في تونس سابقا مع بن علي.. شبهت جريدة لوموند الفرنسية تونس بالمقبرة... اليوم تتنفس تونس بصعوبة ويجب العمل على منع تحويلها إلى مقبرة...
مشاركة اتحاد الشغل ضعيفة، هناك فقط بعض القيادات النقابية ويبدو أن هناك تفاهمات على عدم توتير الأجواء واعطاء فرصة للحوار مع الحكومة. الحضور الإعلامي كان كثيفا، قنوات واذاعات مختلفة كما لوحظ حضور أجانب تدل ملامحهم على أنهم من الأوروبيين وكانوا يحاولون فهم ما يجري وأحيانا يسالون بعض المتظاهرين.
استمرت المسيرة زهاء الساعة والنصف وعلى مقربة من مقر حزب حركة النهضة كان هناك حضور كثيف للبوليس المدجج بالسلاح، قرابة 10 سيارات رباعية الدفع وحافلات صغيرة أما الطقس فقد كان زاهيا وتونس كانت تتنفس رغم كل شيء وان بصعوبة.
تمت مواجهة الاحتجاجات بأشكال مختلفة بعضها سبق الحديث فيه ولكن آخرها ظل دون نظر وهو رفع رايات مثلية وانفصالية من قبل أنفار... ربما القصد تلبية رغبات منظمات دولية ممولة، حرفا للشعارات والرايات عن مساراتها السياسية والاجتماعية ...هذا يحدث ربما ايضا لأول مرة في تونس. بل اننا رأينا جمعية للقنب الهندي توقع مع منظمات سياسية وحقوقية... لا شك أنّ المنتفضين الأوائل في الاطراف لم يذهب في خلدهم ان احتجاجاتهم وقد وصلت العاصمة سيكون فيها مثل هؤلاء بمطالبهم المريبة...
يبدو ان بعد التجريم والقمع جرب الاختراق فراق استعماله وتلك وصفة قديمة. تبدو الظاهرة في العاصمة دون سواها كما قلنا وقد تكبر وتجد لها تبريرا ومساندة من سياسيين جهلة او متآمرين او حتى مرتزقة فالمال يحرك المواقف أحيانا بما في ذلك الغريب منها ...في بلدان أخرى اوربية خاصة استعملت جماعات مماثلة بكثافة لحرف الحركة الاجتماعية عن مجراها وتخريب وعى الشبيبة على نحو خاص.
ويذكر أنه قبل مسيرة 6 فيفري بحوالي أسبوع قامت النقابات الأمنية بمسيرة جابت بعض شوارع مدينة صفاقس وكان أعوان البوليس مزودين بأسلحتهم وعلى متن سيارات وزارة الداخلية رافعين شعارات من قبيل : "يا شيوعي يا حثالة ها هي جاتك الرجّالة"، متوعدين الشيوعيين الملحدين بالويل والثبور وانتهى بهم المطاف إلى الاعتداء بالعنف الشديد على عائلات المعتقلين على خلفية الاحتجاجات لما كانوا أما المحكمة لمتابعة جلسات النظر في قضايا أبنائهم وهو ما أثار موجة عارمة من السخط الشعبي ولكن رئيس الحكومة الذي هو في نفس الوقت وزير داخلية استقبل ممثلين عن تلك النقابات ووعد بتحسين ظروف عمل أعوان البوليس.
واذا كانت الاعتقالات قد طالت في البداية المحتجين فإنها سرعان ما تحولت الى اعتقال مناضلين سياسيين وفهم من ذلك أن حكومة المشيشي ماضية بخطى سريعة في اتجاه تصفية المكسب الوحيد للانتفاضة التونسية ونعني الحرية السياسية فبعد قمع المحتجين الطبقيين واعتقال الشبان والأطفال وتنظيم المحاكمات السريعة حان موعد اعتقال المناضلين السياسيين .ويبدو أن الحكومة لجأت من ضمن ما لجأت اليه في مواجهة الاحتجاجات الى الاختراق بما ذكر بالحالة الإيرانية زمن الشاه ففي الستينات والسبعينات من القرن الماضي ابتكر جهاز السافاك القمعي طريقة لاختراق المنظمات اليسارية تتمثل في تأسيس منظمات تشبهها والقيام بعمليات تشبه عملياتها والنتيحة انه حد من تأثيرها مشوها اياها في عيون الشعب وفي تونس بدا ان الوصفة ذاتها قيد التطبيق ومنها مسيرات باسم الشعب وهى ضده فيوم الاحد 24 جانفي اغلق البوليس الشارع الرئيسي وعندما وصل بعض المتظاهرين استقبلوهم بالهراوات ويوم 30 جانفي فتحوه أمام مسيرة مسترابة لإقناع الشعب بان المحتجين لا يشبهونه.... كانت البداية بالحديث عن الشراذم واللصوص جاءت النهاية بالحديث عن الشواذ الجنسيين ومستهلكي المخدرات... المشكلة ان الشعب الذي يحاولون اقناعه تعلّم وهو الآن يعلم.... ولكنهم يراهنون على النسيان فالشعوب تغفو أحيانا وتنسى، ولكنها لا تفقد الذاكرة، فالاختراق له رديف اسمه التضليل. كما لوحظ أن الاحتجاجات في تونس عادة ما تنطلق من الأطراف.. وعندما تصل الى المدن الكبرى قبل الأوان.. تموت...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق