بحكم بعض الأوهام التي رسّختها شركات سبر الآراء المأجورة، بدأت بعض النفايات السياسيّة في الظهور ولعلّ أبرزها الحزب الدستوري الحرّ بقيادة عبير موسي الممثّل لجزء من اليمين الليبيرالي، هذا الحزب الذي نفخت في صورته بعض هذه الشركات التي تسعى لتسويقه على أنّه الحزب الوحيد الذي بدأ يكتسح الساحة السياسيّة والذي تمكّن من افتكاك الزعامة من حركة النهضة في نوايا التصويت للانتخابات التشريعية والرئاسيّة القادمة إذ أسندت له شركة سيغما كونساي لصاحبها حسن الزرقوني نسبة 6.43 بالمائة من نوايا التصويت في صورة حدوث انتخابات تشريعيّة مقابل نسبة 4.18 بالمائة للنهضة، أمّا بخصوص الانتخابات الرئاسيّة فقد تحصلت عبير موسي على نسبة 5.14 بالمائة وتأتي حسب حسن الزرقوني في المرتبة الثانية لتشارك في الدورة الثانية للانتخابات وذلك حسب سبر الآراء الصادر بجريدة المغرب في 11-03-2021. لقد شجّعت هذه النتائج المعلنة الدساترة على التحرّك والظهور من جديد والإعلان عن هويّتهم الحقيقيّة التي ظلوا ينكرونها عدّة سنوات تحت يافطة ارتباطهم "بالفكر البورقيبي" من خلال قيام نواب هذا الحزب بوضع صور بورقيبة بأماكنهم بمجلس الشعب وكشفوا في الأخير عن مدى ارتباطهم وتعلّقهم بالجنرال بن علي ظنّا منهم بأنّ حصونهم أصبحت آمنة وأنّ آلاف المريدين يلتفّون حولهم ويساندونهم، تدفعهم إلى ذلك ذلك النتائج الوهميّة لشركات سبر الآراء التي تسعى جاهدة بتعليمات من القوى الاستعماريّة إلى ترسيخ ركائز الاستقطاب الثنائي الذي يجب أن يقتصر على تواجد قوتين يمينيّتين فقط تدور في فلكهما بقية المكونات السياسيّة الأخرى وهاتان القوّتان هما اليمين الديني بقيادة النهضة واليمين الليبيرالي بقيادة الحزب الدستوري الحرّ واللذين سينتهي بهما المطاف كالعادة إلى اقتسام السلطة والتوحّد ضدّ القوى الثوريّة والوطنيّة المعادية لهما.
ضمن هذا المخطّط شرع الحزب الحرّ الدستوري في تحشيد قواه في شكل كرنفالات استعراضيّة مستفيدا من الإمكانيات الماليّة المهولة التي يتحكّم فيها منتسبوه والمتأتّية من أموال الشعب التي نهبوها إبّان حكم الدكتاتور، وانطلقت تبعا لذلك استعداداتهم للانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة بصفة مبكّرة.
لقد تجاهلت هذه النفايات السياسيّة القذرة أنّ الجماهير الكادحة لن تغفر لها كل ما عانته منها من تفقير وتجويع وتهميش وسطو على ممتلكاتها باعتبار وأنّ هذا الحزب هو سليل التجمع الدستوري الديمقراطي بقيادة الجنرال بن علي والذي أطلق العنان لعائلته وأصهاره وكل المقربين منه لتكوين عصابات في كل الولايات هدفها افتكاك الأملاك وتجميع الإتاوات التي يتمّ فرضها بالقوّة وهتك الأعراض والتحكم في سير دواليب السلطة المحليّة أو الجهويّة وتوجيهها حسب مصالح مشغليهم الشخصيّة، فعاثوا بذلك في الأرض فسادا ممّا أجّج الحقد والكراهية لنظامه في صفوف الجماهير الكادحة التي انطلقت شرارة انتفاضتها ضدّه ذات 17 ديسمبر 2010 وأدّت إلى هروب الجنرال وعائلته وبعض أصهاره بينما اختبأ العديد من رموز ذلك النظام في جحورهم ولم تسعفهم سوى حركة النهضة والدساترة المحسوبون على البورقيبية الذين رفضوا التصويت على قانون العزل السياسي الذي كان موجها بالخصوص لرموز نظام بن علي وكان رفض تمرير هذا القانون بمثابة الترخيص المبدئي لهم لمواصلة نشاطهم السياسي والانتظام في أحزاب سياسية.
لقد سعت رئيسة الحزب الدستوري الحرّ للبحث إلى البحث عن مدخل تستطيع من خلاله استقطاب الأنصار وساد في اعتقادها وأنّها حققت مبتغاها من خلال رفع شعار معاداة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي بتقديم حزبها على أنّه نقيض لهذه الحركة محاولة بذلك ذرّ الرماد في العيون حتى لا تنكشف حقيقة حزبها. غير أنّ التحليل الملموس للواقع الملموس يبيّن لنا بأنّه لا وجود لاختلاف حقيقيّ بين حزب النهضة والحزب الدستوري الحرّ على مستوى معاداتهم للجماهير الكادحة وارتباطاتهم بالقوى الرجعيّة العربيّة والدول الاستعماريّة، فالسلطة القائمة منذ صفقة الخيانة المبرمة في 20 مارس 1956 يتحكّم فيها الائتلاف الطبقي الرجعي المتكوّن من البرجوازية الكمبرادورية والبيروقراطية وكبار الملاكين الإقطاعيين، وبمعنى أدقّ اليمين الديني بوصفه التعبيرة السياسية للإقطاع واليمين الليبيرالي باعتباره التعبيرة السياسيّة للكمبرادور والبيروقراطية ممّا يصحّ معه اعتبار النهضة والدساترة وجهان لعملة واحدة، عملة فاسدة لا تجد رواحا لها سوى لدى أعداء الشعب والوطن من أنظمة عربيّة عميلة وقوى استعماريّة تسعى لنهب ثروات القطر وإفلاسه لمزيد السيطرة عليه.
لقد اقتصر نشاط الحزب الدستوري الحرّ حول رفع شعار معاداة الإخوانجية، وهذا الشعار استعمله للتغطية على حقيقته التي يحاول جاهدا إخفاءها والمتمثلة في حقده الطبقي على الجماهير الكادحة التي افقدته انتفاضتها السلطة التي كان يتمتع بها، كما ترجم عداءه لهذه الجماهير بعدم تقديم أيّ مبادرة تشريعيّة تصبّ في صالحها ومن شأنها تحسين وضعا المعيشي. في المقابل حاول تمرير مبادرة تشريعية تخدم مصالح حلفائه الإمبرياليين وبعض الأنظمة العربيّة العميلة غير أنّه لم يوفّق في ذلك. لقد حاول هذا الحزب إيهام الجماهير الشعبية بأن رفعه لهذا الشعار ينبني على مبادئ يؤمن بها ويحاول تطبيقها على أرض الواقع، غير أنّ الحقيقة لا تعدو أن تكون سوى مخاتلة يحاول من خلالها الاستثمار في احتجاجات الجماهير التي عبرت من خلال تحركاتها المتواصلة عن سخطها وغضبها خاصة من اليمين الديني فذهب في ظنّه أنّه بالإمكان استمالة هذه الجماهير الغاضبة عبر رفع شعار معاداة الإخوانجية لتمثّل له في المستقبل خزّانا انتخابيّا. لقد غاب عن ذهن هذا الحزب ورئيسته بأنّ هذه الجماهير التي يحاول بكل الطرق والأشكال استغباءها قد خبرت الدساترة منذ 1956 إلى حدّ الآن واكتوت بنيرانهم وسعت ومازالت تسعى لإسقاط منظومتهم الفاسدة بصفة نهائيّة واعتبرتهم منذ ديسمبر 2010 مثل النفايات الضارّة التي يجب التخلّص منها نهائيّا وإلى الأبد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق