فريد العليبيقال نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل خلال الذكرى التاسعة والستين لاغتيال فرحات حشاد إنّ الاتحاد يدعو إلى لقاء وطني يؤسس لخيار ثالث عنوانه «الإنقاذ في كنف السيادة الوطنية»، وفي شرح لذلك بيّن أنّ الأمر يتعلق بخارطة طريق تضبط المهام والأولويّات وتتخذ إجراءات عملية تنهي حالة التردّد والغموض السائدة في البلاد وتفتح الآفاق لرسم ملامح تونس الجديدة على أساس ثوابت الجمهورية المدنية الديمقراطية الاجتماعية، وهو ما يقتضي التشاور مع المنظمات والشخصيات الوطنية، بما فُهم منه أن الاتحاد يريد تكوين كتلة سياسية جديدة متمايزة عن كتلتين أخريين، الأولى تجمع المدافعين عن ما قبل 25 جويلية، بما في ذلك عودة البرلمان المجمّد إلى سالف نشاطه والثانية تتألف من رئيس الجمهورية ومناصريه.
بالعودة إلى تصريحات أركان الاتحاد يلاحظ ترددا وأحيانا تناقضا في الموقف من سياسات قيس سعيد، ويبدو أنّ المحدد في ذلك ليس جوهر تلك السياسات وإنما بعض المواقف التي عبّر عنها سعيد من جهة، مثل الحوار مع الشباب وتجاهل الاتحاد وهو ما تجاوزه الرئيس بعد ذلك فكانت لقاءات مباشرة وغير مباشرة بينه وبين الطبوبي، وعندما حاول الإسلام السياسي الإيحاء بأن الرئيس يستنجد بالاتحاد نفى الطبوبي ذلك قائلا انه هو من طلب الحديث الى سعيد وليس العكس، ثم كان تصريح الأمين العام السابق العباسي الذي قال إن إجراءات 25 جويلية أراحت الشعب من البرلمان. ومن جهة ثانية هناك توجس قيادة الاتحاد من الحكم القضائي الذي اعتبر المؤتمر غير الانتخابي الذي عقده الاتحاد في وقت سابق غير شرعي فقد تصورت أن الرئيس وراء ذلك. ومن هنا نفهم تبدل مواقف قيادة الاتحاد بين فينة وأخرى، وهي التي عانت سابقا من تدخل السلطة السياسية في العمل النقابي حتى أن الأمين العام الأسبق الحبيب عاشور وجد نفسه وهو يساير بورقيبة وينتمي الى الديوان السياسي للحزب الدستوري على مدى سنوات، وعندما غادره وجد نفسه في السجن على إثر انتفاضة 26 جانفي 1978 العمالية.
يشعر الاتحاد بخيبة أمل وإحباط وسبقته إلى ذلك منظمات وأحزاب فهناك قوى كثيرة اعتقدت أن قيس سعيد سيمنحها نصيبها من السلطة ولكنه لم يفعل، لذلك يتحدث الطبوبي عن "الرب الأكبر" مشهّرا بالتعيينات الأخيرة الخ ..
وقد أسرع الإسلام السياسي الى استغلال التناقض بين ساحة محمد علي وقصر قرطاج، وهو الذي ظل ينتظر ثمرة ذلك التناقض حتى تنضج لقطفها، لذلك صرّح عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة ومسؤولها على الإعلام والاتصال أن الحركة ترفض العودة لما قبل 25 جويلية " حيث كان الوضع السياسي مترذلا بشكل كبير وصورة الاحزاب والسياسيين فيه سيئة جدا"، مُرددا تقريبا نفس عبارات نورالدين الطبوبي. ولكن ذلك ليس غير مخاتلة فالحركة ليست مع أي خيار غير عودتها إلى السلطة التي أضاعتها فجأة بهبّة شعبية مباغتة واستجابة رئاسية حاسمة، فهي ليست مع الاتحاد وخياره الثالث وإنّما تريد ببساطة العودة إلى الوراء، حتى أن بعض المحسوبين عليها ذهبوا إلى القول أن الخيار الثالث ليس إلّا مؤامرة اتحادية برعاية فرنسية لإنقاذ سعيد وقطع الطريق أمام سعيها إلى تكوين ائتلاف واسع يعود بالبلاد الى الشرعية التي تزعم أنها رمز الدفاع عنها.
وهذه الحقيقة غير خافية عن الاتحاد الذي يدرك أن تغيرات هامة شهدتها تونس منذ هبة 25 جويلية وأن عليه أخذها بعين الاعتبار فهي أمر موضوعي يتوجب فهمه أولا والتفاعل معه ثانيا فموازين القوى لم تعد كما كانت وأن الإسلام السياسي كان عنوان خراب عشرية بأكملها لذلك يبدو مستحيلا أن يضع يده في يده.
وغني عن البيان أن على رئيس الدولة ضبط اتجاه سيره والانفتاح على حلفائه ومن المرجح أنه على وعي بذلك غير أن عامل الوقت وإكراهات التناقضات المحلية والخارجية تقيد حركته، وقد برهن سابقا أنه لا يستقدم ولا يستأخر فكل شيء في ابانه والا تحول الى هزيمة منكرة. ومن هنا وعده بالإفصاح عما يطلبه حلفاؤه خلال الأيام القليلة القادمة.
أما الاتحاد فعليه أيضا تحديد اتجاه سيره فالغموض في تونس اليوم موزّع بين قوى سياسية ونقابية كثيرة والبلاد بأكملها غارقة في الضباب، بما يفرض بلورة فهم سياسي أولا وخطة عمل ثانيا و كتلة شعبية منظمة ثالثا تكون في خدمة الشعب والوطن ومن بين أعمدتها تحالف متين بين قرطاج والقصبة، ففي نهاية المطاف لا وجود لغير خيارين متقابلين خيار الشعب وخيار أعدائه.
جريدة الأنوار 10 ديسمبر 2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق