الأحد، 30 يناير 2022

فرنسا وفيّة لتاريخها الاستعماري


   صاق مجلس الشيوخ الفرنسي ليل الثلاثاء الأربعاء، 25-26 جانفي 2022، بإجماع المصوتين (331 صوتا بنعم، وامتناع 13 عن التصويت)، على قراءة أولى لنص مشروع قانون يطلب "الاعتذار" من الحركيين الجزائريين، الذين قاتلوا مع الجيش الفرنسي في الجزائر ثمّ تخلت عنهم فرنسا بعد حرب التحرير الجزائرية 1954-1962.

   وقد جاء هذا القانون ليشكل ترجمة تشريعية لخطاب ألقاه الرئيس إيمانويل ماكرون في 20 سبتمبر 2021 في قصر الإليزيه أمام ممثلي هؤلاء الحركيين.

   وينص هذا القانون على "إصلاح" الضرر، من خلال تقديم مبلغ من المال بحسب مدة الإقامة في هذه الهياكل. وتقدر الحكومة عدد المستفيدين المحتملين بخمسين ألف شخص بتكلفة إجمالية قدرها 302 مليون يورو على مدى ست سنوات تقريبًا.

   وأدرج أعضاء مجلس الشيوخ "بعض السجون التي تم تحويلها إلى أماكن لاستقبال المُرحّلين" في قائمة المنشآت التي يستحق الذين استقبلوا فيها التعويض.

   في نفس السّياق، وفي نفس الميدان، أي ميدان حرب التحرير الجزائريّة، أعلن الرئيس الفرنسي يوم الأربعاء 26 جانفي 2022 أن إطلاق النار والأحداث التي جرت في شارع إيسلي بمدينة الجزائر في 26 مارس 1962 والتي قتلت خلالها قوات الجيش الفرنسي العشرات من أنصار الجزائر الفرنسية الذين يُعرفون بـ"الأقدام السّوداء" هي "لا تغتفر بالنسبة للجمهورية" الفرنسية.

   ويأتي اعتذار الدّولة الفرنسيّة للحركيين الذين تخلّت عنهم من جهة والاعتراف بالمسؤولية عن قتلى "الأقدام السّوداء" للتّأكيد على وفائها لتاريخها الاستعماري حتّى وإنّ نزّل ماكرون ذلك في إطار فتحه لأرشيف الجزائر إبّان الاستعمار الفرنسي المباشر لها. فهذه القوّة الإمبرياليّة التي بنت قوّتها على اضطهاد الشّعوب والأمم لا يمكن أن تتجاهل أعوانها من الجزائريين الذين خانوا وطنهم ومن الفرنسيين الذين عارضوا حصول الجزائر على استقلالها حتّى وإن تخلّت عنهم في مرحلة ما، وها هو ماكرون يتعهّد بتحقيق ذلك.

   إنّ فرنسا الإمبرياليّة لم تتغيّر لا في علاقتها مع الجزائر ولا في علاقتها مع بقيّة مستعمراتها القديمة، فقط، إنّ ما تغيّر هو طبيعة أو شكل ذلك الاستعمار، حيث مازالت فرنسا تنظر إلى تلك الأراضي التي سيطرت عليها لأزمنة طويلة كحديقة خلفيّة لها تستمدّ من خلالها رخاءها الاقتصادي وقوّتها العسكريّة والسياسيّة في منافستها لبقية القوى الامبرياليّة وصراعها معها أحيانا. وهي لا ترى أنّ تلك البلدان من حقّها ان تمارس سيادتها على سرواتها وان تسيّر شعوبها نفسها بنفسها حتّى وإن ادّعى حكّام فرنسا أنّ تلك البلدان قد حصلت على استقلالها ومن حقّها تقير مصيرها بنفسها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق