الكادحات ينهضن قبل اختمار العجين،وقبل اغتسال زهر اللّوز بقطر النّدى،
لينهضن بأعباء البيت وأطفالهنّ..
وكلّ أعباء الحياة
***
الكادحات لا ينمْن أطول من حلم..
في غفوة صبيّ يتقلّب على السّرير
ليسرعن إلى إيقاد الحطب المكدّس..
في ركن من اسطبل المواشي..
فينسحب الدّجى متعثّر الخطى
من أمام أقدامهنّ
وتطلّ بطلّتهنّ الصّباحات
***
الكادحات وقتهنّ من ذهب
أو من زيت أو من حطب..
لا يهمّ الفرق كثيرا !
إذ لا وقت لهنّ للبحث في لونه أو مذاقه
لا أحدٌ لديهنّ ولا أعياد وطنيّة
ولا عطل خالصة الأجر..
لا يمتلكن جوازات سفر وحقائب عجيبة
لينطلقن إلى بلاد بعيدة أو قريبة..
مثل ما تفعل السّائحات
***
الكادحات
هنّ ملح هذه الأرض وماؤها،
وتربتها الخصبة.. وسماؤها..
هنّ حدود وطن شاع اسمه
على أعمدة الصحف الملوّنة
لمّا احتجزوه رهينة في بنوك العالم..
فظلّ ينتظر من يكسر قيده
من يبيع حليّه ليفكّ أسره..
لا أحد سوى الكادحات،
بعن ثيابهنّ المخبّأة في صناديق قُدّت من خشب
بعن خواتم الخطوبة الفضيّة وعناقيد الذّهب
تحمّلن الموت والرّدى والجراحات
وهنّ يحرسن حدوده من جحافل الغزاة
***
الكادحات يقفن أعلى من النّاطحات
جباههنّ تعانق حدود السّماء
وعيونهنّ قرص وضّاء كشمس أبديّة
ترفض أن تختفي..
الكادحات هنّ الكاسحات
إذا غزا الثّلج قلوب الجميع
ليحجب عنّا الرّبيع
وكي لا نضيع
يمسحن عن وجوهنا عرق الخجل
وينزعن ضعفنا الأصفر
إذا حلّت بنا أيّام سوداء جارحات
***
الكادحات في بلدي
هنّ نبض الخلود الأبدي
قلب لا يكفّ عن النّبض
قبضة كوّرتها الظّروف القاسية
فصنعت منها جبهة لا تكفّ عن الرّفض
مهما قست عليهنّ الحياة
***
الكادحات هنّ واحات..
تتّسع تربتها الذّهبيّة لكلّ أحلام الأحياء،
وحتّى أحلام من ماتوا.. وظلّت أحلامهم حيّة
ترفرف، مثل نوارس ظمأى، فوق السّاحات
هناك، في صدورهنّ،
تختبئ كلّ كنوز الأجداد العارية والمدفونة
لا الرّيحُ الصّفراء تغيّر ألوانها
لا صدأ السّنين العجاف ينخر روحها
ولا شمس أوت الحارقة ذوّبت معادنها
هناك، ترتسم وتبتسم
خريطة وطن على تجاعيد الرّاحات
***
الكادحات هنّ المكافحات
ينقلن الرّفض الشّعبي العارم
من حقل السيّد الإقطاعي
ومن مصنع كمبرادور طامع
إلى صوت هادر يقظّ مضجع العواصم
فترتعد تحت أقدامهنّ شوارعها والسّاحات
***
الكادحات عطر ماء الفجر
وقد انفصل عن صخر النّهر
وانساب مخاتلا حرّاسه بلا موعد
إلى ركن في الاسطبل
يتلذّذ بطعم عجين يحترق وسط الموقد
***
الكادحات كأس عطاء لا ينضب
تشرب منها ما شئت
وكأنّك أبدا لم تشرب،
وقصّة حبّ ما كُتبتْ قبل
ولم تُكتبْ بعْدُ
ولن تُكتب أبدًا..
فالقصص الحيّة تُعاشُ ولا تُكتبْ
إلاّ بسواعد الكادحات !
الثلاثاء، 8 مارس 2022
الكادحــات ** شعر فاروق الصيّاحي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق