مـــا العمــــل ؟
يحتدّ الصّراع السّياسي في تونس يوما بعد يوم، خصوصا مع تتالي الإجراءات التي شهدتها البلاد في عدد من الميادين والمجالات، على غرار حلّ المجلس الأعلى للقضاء وتغيير تركيبته وحلّ البرلمان وإصدار مرسوم محاسبة المحتكرين ومرسوم خاصّ بهيئة الانتخابات والاتّجاه نحو إعداد دستور جديد... وهي إجراءات موجّهة ضدّ المنظومة الرّجعيّة التي حكمت البلاد منذ نفّذت انقلابها على انتفاضة 17 ديسمبر بمساعدة القوى الخارجيّة، فنكّلت خلال كلّ هذه الأعوام بالشّعب وزرعت في وسطه الإرهاب التّكفيري وغذّته ورعته ورهنت الوطن للمؤسسات المالية العالمية وللقوى الإمبريالية والرّجعية من خلال مراكمة الدّيون وعقد اتفاقيات مهينة وغير متكافئة عمّقت الهيمنة الأجنبيّة على البلاد وعلى ثرواتها.
ولئن فقدت تلك المنظومة حكمها المباشر، إلاّ أنّها مازالت تحافظ على مواقع نفوذ كثيرة في مختلف أجهزة الدّولة ومؤسّساتها وداخل المجتمع، إضافة إلى حفاظها على علاقات عمالة وطيدة مع بعض القوى الخارجيّة التي مازالت تعبّر عن دعمها لتلك المنظومة تحت غطاء "الدّفاع عن الدّيمقراطية والحريات واحترام الدّستور" إلى غير ذلك من الشّعارات... وتسعى هذه الرّجعيّة إلى استعادة سلطتها بمختلف الطّرق والوسائل مستغلّة الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة المتأزّمة وكذلك محاولات الحصار الخارجي بهدف تعميق هذه الأزمة، بالتّظاهر في الشّوارع أحيانا وبتنظيم جلسات افتراضيّة لبرلمانها المجمّد ومحاولة تجميع كلّ أنصارها، أطرافا وأفرادا، في جبهة سياسيّة واحدة، وهي تحاول من خلال ذلك تهيئة الظّروف لإعلان حكومة موازية أو الإقدام على تنفيذ انقلاب مستغلّة ما يتمّ ترويجه من أخبار ومن إشاعات وتسريبات حول وجود انشقاقات في صلب مؤسّسة رئاسة الدّولة، كما لجأت إلى تحريك عناصرها التّخريبيّة لافتعال الحرائق التي لم تسلم منها لا المصانع ولا الموانئ ولا حتّى الغابات والواحات قصد إدخال البلاد في حالة من الفوضى الهدّامة..
لكن كلّ هذه الطّرق والوسائل لم تنجح إلى حدّ الآن في قلب الأوضاع لصالح هذه المنظومة ومن يناصرها ويقدّم لها الخدمات المجانيّة.. ومع ذلك، فإنّها لم تستسلم ومن الصّعب أن تستسلم، بل إنّها ستلجأ إلى طرق أخرى وأخرى قد تكون أكثر شراسة خاصّة مع اقتراب موعد 25 جويلية، لذلك فإنّها ستسعى بكلّ الطّرق إلى خلق جوّ من الفوضى وقد يكون من بين وسائلها إشعال فتيل حرب أهليّة ! وتبقى هذه الاحتمالات قائمة في صورة تواصل هذا التشتّت السّياسي للقوى الوطنيّة والثّوريّة التي مازال بعضها متردّدا في علاقة بمسار 25 جويلية (2021) الذي فتح أمامها الباب لتوحيد صفوفها و بعد أن بعث الأمل في صفوف الشّعب ليستكمل مسيرة انتفاضة 17 ديسمبر من أجل تحقيق الحريّة الفعليّة للوطن وإرساء سلطة الشّعب وتوزيع الثّروة على المنتجين.
إنّ الصّراع الدّائر حاليّا، هو صراع بين تونس القديمة، تونس الغارقة في أوحال الرّجعيّة والاستعمار، تونس التي ألبسوها زورا رداء ديمقراطيّة لا ترقى حتّى إلى مستوى الدّيمقراطية البرجوازية القديمة، من جهة، وتونس الجديدة، تونس التي تقاوم من أجل كسر أغلال الاستعمار والرّجعيّة، تونس التي تتوق إلى إرساء ديمقراطيّة من طراز جديد، ديمقراطيّة الشّعب. وبوحدة الشّعب المكافح وثوريّيه في هذه اللّحظة الفارقة تصبح تونس الجديدة التي تلوح في الأفق واقعا ممكنا، فلننبُذ الأوهام ونهبّ إلى الكفاح من أجل تحقيق الحلم الذي ضحّت من أجله أجيال تلو الأجيال !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق