اِفتتــــاحيّة العدد 74 من طريــق الثّــورةيشتدّ على المستوى العالمي التناقض الدّائر بين القوى الإمبرياليّة، متجليا في الصّراع المتصاعد يوما بعد يوم في مناطق مختلفة من الأرض حيث يتّخذ في بعضها شكل المواجهة العسكريّة مثلما هو حال الحرب الدّائرة في أوكرانيا منذ أكثر من عام بينما يتّخذ في مناطق أخرى أشكالا مثل الحروب السياسيّة والديبلوماسية والانقلابات المتاثّرة بشكل مباشر أو غير مباشر بالصّراع بين القوى العالمية.
ويتقابل في هذا التناقض العالمي طرفان يمثّل، في الوقت الحالي، التحالف الذي تقوده روسيا والصّين طرفه الثّانوي وهو حلف صاعد يعتمد على قوّته الاقتصاديّة والعسكريّة المتنامية ليتسرّب الى مناطق مختلفة من العالم، بينما يمثّل الحلف الأمريكي-الأوروبي طرفه الرّئيسي وهو حلف إمبريالي تشكّل غداة الحرب العالمية الثانية يمثّل حلف شمال الأطلسي أداته العسكريّة التي بفضلها تمكّن من التدخّل في عدد من الدّول الرّافضة للهيمنة الاستعمارية فدمّرها وقسّمها وسيطر على شعوبها بشكل مباشر وغير مباشر. وبتصاعد الصّراع في إطار هذا التناقض الرّئيسي يتّجه العالم نحو الانقسام إلى قطبيْن إثنين بعد أن كان لعقود، ومنذ تسعينيات القرن الماضي، خاضعا لهيمنة قطب امبريالي واحدٍ.
ويفتح الوضع العالمي الحالي والثنائية القطبيّة التي هي بصدد التشكّل الأمل أمام الشّعوب والأمم المضطهَدة لترفع رأسها، مستغلّة هذا الصّراع، لتسير في طريق تحرّرها الوطني الدّيمقراطي حيث يشتدّ التناقض بين الإمبريالية والأمم المضطهدة ويظهر ذلك من خلال تواصل وتعمّق الكفاح متّخذا أشكالا مختلفة أرقاها الحروب طويلة الأمد التي تخوضها الشعوب في الهند والفلبين وتركيا والبيرو وهي حروب تقودها أحزاب شيوعيّة ماويّة ثوريّة فيها الدفاع والهجوم في مواجهة الحروب الهمجيّة الضارية المضادّة التي تقودها القوى الإمبريالية والطّبقات الرّجعية المتحالفة معها في تلك البلدان.
وفي بلدان أخرى تتصاعد هنا وهناك مواقف معادية للهيمنة الاستعمارية ومتمسّكة بالسيادة الوطنية تتّخذ أحيانا شكل انقلابات عسكرية داخل الطبقات البرجوازية الحاكمة، وهي مواقف يجب على الشيوعيين استغلالها ودعمها والعمل على تشكيل جبهة وطنية ديمقراطية تحت قيادتهم هدفها توحيد الطبقات والقوى الوطنية الممثلة لها من اجل تحويل تلك الأقوال إلى أفعال والمضيّ قدما في معركة التحرّر الوطني في اتّجاه تحقيق السيادة الوطنية الحقيقيّة وإرساء إصلاح زراعي لفائدة الفلاّحين الفقراء والسير نحو بناء الاشتراكية.
وإلى جانب تصاعد حركة الكفاح الثّوري في المستعمرات وأشباهها الذي يبشّر بإنطلاق موجة جديدة من حروب التحرّر الوطني، تتصاعد من حين إلى آخر حركة كفاح البروليتاريا في البلدان الرّأسمالية ضدّ الطّبقة البرجوازية متّخذة أشكالا مختلفة مثل المظاهرات والاعتصامات والإضرابات.. مستغلّة في الوقت الحالي انشغال البرجوازيات بالحرب الدّائرة في أوكرانيا وبالصّراعات الدّائرة في صلبها، لكن هذه الحركة لا تزال ضعيفة في ظلّ غياب أحزاب وتنظيمات بروليتارية ثوريّة تقود حركة الصّراع الطّبقي وتحوّلها إلى ثورات اشتراكيّة.
إنّ البشريّة اليوم تمرّ بمرحلة دقيقة من تاريخها تبدو فيها الظّروف الموضوعيّة ملائمة لهبوب موجة جديدة من الثّورات البروليتارية بشكليها الوطني الديمقراطي والاشتراكي، بينما تبقى الذات الثورية غير قادرة على حلّ التناقضات والأزمات العالمية لفائدة الأمم والشعوب والطبقات المضطهدة بسبب غياب التنظيم وتشتت القوى والبرامج القائمة على تكتيكات واستراتيجيات تقطع مع الدوغمائية وتنطلق من قراءة ملموسة للواقع الملموس وتتسلّح بالنقد والنقد الذّاتي.
-----------------------------------------------------
طريق الثورة، جوان-جويلية 2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق