الأحد، 8 نوفمبر 2020

ثــــورة أكتوبــر والمشرق العربي : 1917/1947‏

مداخلة أحمد بن عيّاد

   أعلنت القيادة السوفياتية منذ اليوم الأول لانتصار الثورة انحيازها المطلق لقضية الشعوب المضطهدة و جسدت عمليا ذلك في سياستها الخارجية عبر فضح و نشر اتفاقبة سايكس-بيكو و التي بقية سرية حتى ذلك الحين.

   لم يكن هذا غير اللبنة الأولى في بناء توجه أممي عماده دعم نضالات أمم وشعوب وكادحي الشرق في معناه الواسع كما بينت ذلك محاضر مؤتمر باكو لشعوب الشرق .

   لكن قبل هذا لابد لنا من الإشارة إلى مؤلفين هامين لكل من ستالين و لينين قبل حتى انتصار الثّــورة، إننا نشير إلى كتابي "المسألة الوطنية" و "حق الأمم في تقرير مصيرها".

   و ما يجب الانتباه له في هذين المؤلفين هو حرص الزعيمين على التأكيد مرارا وتكرارا و من خلال كل الفصول على الوقوف إلى جانب الأمم والشعوب المضطهدة لا فقط في نضالها من أجل التحرر من نير الاستعمار المباشر لكن أيضا من هيمنة رأس المال الإمبريالي على مقدرات هذه الشعوب و كذلك على ضرورة احترام ثقافات و تاريخ هذه الأمم المضطهدة و هذا أيضا لا يقل أهمية.

يدحض لينين و ستالين كذلك في عديد المؤلفات و النصوص ما يسميها لينين "الفكرة المغرقة في الرجعية للأمة اليهودية" و ترفض القيادة السوفياتية قطعيا مطالب الاستقلال او الحكم الذاتي أو التسيير الذاتي للمجموعات اليهودية داخل الدولة السوفياتية كما ترفض مسألة الهجرة نحو المستوطنات الصهيونية في فلسطين .

نعود الآن لموضوع مؤتمر باكو لشعوب الشرق المنعقد سنة 1920 والذي مثل لفترة مهمة بوصلة السياسة الخارجية السوفياتية في علاقة بالشرق عموما وبالمشرق العربي كجزء منه.

 بداية تجدر الإشارة إلى ضعف التواجد العربي في مؤتمر باكو الذي لم يتجاوز 03 عناصر مع إمكانية وجود غيرهم ضمن من رفضوا توقيع استمارات الحضور أو من رفضوا إعلان جنسياتهم .

   ورغم هذا الضّعف العددي مقارنة بعدد المندوبين الأتراك ( 235) أو الإيرانيين (192) أو الذين عرفوا عن أنفسهم بأنهم يهود 41 إلا أن مسائل الأقطار العربية و الاستيطان الصهيوني كانت حاضرة .

   إذ أن القيادة السوفياتية ممثلة في زينوفييف رئيس مؤتمر باكو عبرت بوضوح على وقوفها إلى جانب الجماهير العربية في التحرر من الاستعمار الفرنسي والإنجليزي ومواجهة الاستيطان الصهيوني وإدانته. فمثلا جاء في أحد محاضر جلسات مؤتمر باكو : "إننا نتوجه بالنداء ليس إلى الذين يؤيدون المبادئ الشيوعية وحسب وإنما أيضا إلى غير الحزبيين . توجد في عالمنا حركتان : الأولى متدافعة هدارة وجبارة هي الحركة العمالية البروليتارية والشيوعية المتزايدة الاتساع التي نشاهدها في روسيا وألمانيا وفرنسا وايطاليا. أما الحركة الثانية فحركة أضعف من الأولى وتسلك منحى متعرجا أحيانا وهي حركة القوميات المضطهدة " .

يضيف في صفحة موالية نفس المتدخل " في البلدان الشرقية حيث المنظمات العمالية الثورية لا تزال ضعيفة تكتسي الحركة حاليا طابعا وطنيا ديمقراطيا " .

كما لا تخلو صفحات كل المحاضر تقريبا من إدانة الاستعمار الإنجليزي والفرنسي لسوريا والعراق ومصر وتونس والجزائر وما ترتكبه آلة الاستعمار من مجازر موجهين الدعوة للثوريين في هذه الأقطار إلى حسن المسك بالمسألة الوطنية والتوثب لقيادتها.

   معاداة الصهيونية واحتلال فلسطين كانت حاضرة في مؤتمر باكو لشعوب الشرق حيث ورد في فقرات إحدى المداخلات "ما الذي تقدمه انكلترا لفلسطين ؟؟ إرضاء لحفنة من الرأسماليين اليهود والإنكليز طردت انكلترا العرب من أراضيهم ومنحتها للمستوطنين اليهود ."

   لقد كان لهذه التوجهات لدى القيادة السوفياتية أثر عميق على بقية الأحزاب الشيوعية المكونة للأممية الثالثة ولعل من أبرز اللحظات الفارقة في علاقة بالقضايا العربية موقف الأممية الثالثة من انتفاضة 1929 بفلسطين المحتلة والمعروفة أيضا بثورة البراق. فقد اعتبرتها اللجنة التنفيذية جزء من "موجة التحرر الوطني التي تجتاح المستعمرات وأشباه المستعمرات" وأرجعت أسبابها إلى ثلاثة عوامل :

* تجزئة الأمة العربية.

* تقسيم الوطن العربي إلى مستعمرات.

* الاحتلال الصهيوني .

   كما أشارت هذه القرارات إلى مجموعة عوامل أخرى لا تقل أهمية :

* احتلال المستوطنين الصهاينة لأراضي الفلاحين العرب

* أزمة الاحتلال البريطاني في العراق.

* تصاعد الحركة الوطنية والعمالية في سوريا والعراق.

* تحفّز الحركة الصهيونية لاحتلال كل فلسطين

   ووجّهت الأممية الثالثة والاتحاد السوفياتي نقدا عميقا لتعاطي الأحزاب الشيوعية في مصر وفلسطين وسوريا والعراق مع صيرورة ثورة 1929 واعتبرتها وجهت لها طعنة من الخلف بتمترسها خلف مواقف تروتسكية احتقرت النضال الوطني وتعول على يسار الدول الاستعمارية وما يسمى باليسار الصهيوني كما دعت هذه الأحزاب للعمل على:

ــ توحيد الأحزاب الشيوعية في مصر وفلسطين وسوريا والعراق في منظمة حزبية واحدة.

ــ تعريب الهياكل الحزبية من القاعدة الى القمة .

ــ الانصهار في صفوف العمال والفلاحين العرب.

ــ التوجه نحو البدو

هنا لا بدّ من فتح قوسين :

ليس من الممكن فهم تعاطي الإتحاد السوفياتي والأممية الثالثة مع الحركة الصهيونية دون فهم الموقف الذي صاغه وفعُله كل من لينين وستالين فهما يرفضان تماما الفكرة الصهيونية و يعتبرانها فكرة رجعية تماما في خدمة الإمبريالية و لنا مثال على ذلك في كيفية تعاطيهما مع حزب البوند الذي تأسس سنة 1897، شهران فقط بعد مؤتمر بازل و ضم في صفوفه أكثر من 30 ألف من يهود روسيا وبولندا. انضم البوند سنة 1898 إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي وفي خضم الصراع بين المناشفة والبلاشفة ناصر المناشفة ليلتحق قبيل الثورة بالبلاشفة. وقد سادت علاقته بالبلاشفة صراعات عديدة ضد نزعة التكتل ودعوات الإدارة الذاتية والاستقلالية (استقلالية المنظمة الشبابية/سوفياتات مستقلة/كتيبة عسكرية مستقلة...) والعلاقة بالحركة الصهيونية العالمية وهجرة اليهود إلى فلسطين. وكانت كل هذه المواقف مرفوضة و أفضت في النهاية إلى اتخاذ القيادة السوفياتية قرارا بإغلاق جميع مقراتهم و حل جميع هيئاتهم و مصادرة جرائدهم و منع الهجرة اليهودية سنة 1929 والتضييق على تواجد أنصار الصهيونية داخل الدولة وأجهزته .

   لكن هل كانت السياسة السوفياتية تجاه القضايا العربية بلا أخطاء ؟

  قطعا لا.

  فقد أقدمت القيادة السوفياتية عشية 14 ماي 1947 ومن خلال خطاب مندوبها بالأمم المتحدة غروميكو وبعد موافقة ستالين ومولوتوف على خطابه، على المصادقة على قرار التقسيم والاعتراف بدولة الكيان الصهيوني واعتبار أن "عدم حماية الحقوق الأساسية للشعب اليهودي والحفاظ عليه من عنف الجلادين الفاشيين سلوك غير عادل وسلب لحق الشعب اليهودي في إقامة دولته " .

   أكثر من ذلك دعّم المعسكر الاشتراكي العصابات الصهيونية عبر تشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا بالسلاح وبالطيارين وسمح بهجرة 200 ألف مستوطن صهيوني مباشرة بعد إعلان قيام دولة الاحتلال .

و قد حدث هذا الخطأ التاريخي الذي لا يبرر تحت أنظار الأحزاب الشيوعية العربية التي قبلت قرار التقسيم باستثناء الحزب الشيوعي السوداني في حين اعتبر الشيوعي المصري مثلا المقاومين الفلسطينيين والعرب في جيش الإنقاذ سنة 1948 "قطعانا من الهمج الفاشيين ".

   لم تنخرط القيادة الماوية في الصين في هذا الموقف. ورفضته باكرا وأعلنت عداءها للحركة الصهيونية ورفضت الاعتراف بالكيان الصهيوني رغم مبادرة هذا الكيان الاعتراف بالصين الشعبية.

   و كان للصين الشعبية بقيادة ماوتسي تونغ الدور الفاعل في إعادة صياغة وبلورة الموقف وإسناد الخط المناضل والثوري داخل الحركة الشيوعية العربية والحركة الوطنية الفلسطينية المؤمن بتحرير كل فلسطين بحرب الشعب الطويلة الأمد والرافض لنهج الاستسلام القومي.

   ختاما نقول أننا نتطلع بأمل لتلك اللحظة التي ينتقل فيها الشيوعيون الماويون العرب إلى حالة الفعل التاريخي والمسك بخصوصيات الواقع العربي ويتجاوزون العديد من الانحرافات اليمينية واليسراوية التي جعلت الحركة الشيوعية العربية تتخبط في مآزق نظرية وسياسية منعتها في العديد من المحطات من الارتباط بأوسع الجماهير وقيادة مسيرة التحرر الوطني والاجتماعي.

عـــاشت ذكرى ثــــورة أكتوبر

------------------------------

المداخلة مسجّــلة



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق