الأحد، 8 نوفمبر 2020

الثّورة البلشفيّـة و حركة التحرّر الـوطني


مداخلة الرّفيق محمد الصيّاحي

  قــامت الثورة البلشفيّـة في منطقة متخلّفة في أوروبا، بينما كان آنذاك مركز الرأسمالية في بريطانيا وفرنسا وألمانيا، بينمـا كانت روسيا إمبراطورية تُخضع لها شعوبــا بالقوة، وهذه القــوّة كـانت متخلفة، قوة النير الإقطاعي الذي تعاني منه شعوب الشرق عـامّة نظرا لموقعها الجغرافي بين أوروبا وآسيا.

   بقيام الثورة تحول مركز الاهتمام ومركز القيادة في الحركة الشيوعية العالمية من بلدان التمركز الرّأسمالي إلى بلد يعتبر متخلفا قياسا بالمركز. لذلك سيضع البلاشفة على عاتقهم، إضافة إلى مناصرة البروليتاريا على مستوى عالميّ، التفكير في تحرير بقية الطبقات الكادحة الخاضعة لأشكال من الاستغلال غير الاستغلال الرأسمالي ومن ضمنها الاستغلال الإقطاعي وما قبل الإقطاعي. وقد كان الصراع الذي خيض داخل الأممية الثانية وتحوّلها إلى الأممية الثالثة كان محوره أنّ العمّـال لا وطن لهم. وبما أنّ جزءا من المجتمعات لم تبلغ بعد المرحلة الرأسمالية فكان لا بدّ من أن تلتحم نضالات العمّال مع هذه البشرية التي لم تصل بعد هذه المرحلة الرأسمالية أو المرحلة الديمقراطية البرجوازية. ومن هنا تغيّر الشعار الذي له دلالته الكبرى، من يا عمّــال العالم اتّحدوا إلى يا عمال العالم وشعوبه وأممه المضطهدة اتحدوا، فهذا الشعار له رمزيته الكبرى، ذلك أنّ التحرير لم يعد يقتصر على تحرير العمال من حكم رأس المال بحكم تحوّل الرأسمالية إلى طور الامبريالية وكان لينين زعيم البلاشفة والحزب الاشتراكي الديمقراطي هو الذي اكتشف نظريا تحوّل الرأسمالية، ارتقائها، إلى طور الامبريالية. ولذلك ستنخرط كل شعوب الأرض في النضال ضد الامبريالية التي تضطهد العمال وتضطهد كذلك غير العمال، أي الشعوب والأمم والأوطان.

   هذا التأثير كان على مستويين. مستوى الأحزاب الشيوعية التي تحولت توجهاتها من توجهات إصلاحية إلى توجهات جذرية وأوجدت لها مدخلا نظريا فلسفيا فكريا للالتحام مع بقية المضطهدين عبر العالم ولكن هذا الالتحام لا يجب أن يظلّ نظريا فقد سعت الأممية الثالثة وخاصة بعد انعقاد مؤتمر كادحي شعوب الشرق إلى زرع بذرة الشيوعيين في كل العالم من أجل الانقضاض على الرأسماليين والانقضاض على حلفائهم الذين كانوا يقفون إلى جانبهم في استعباد هذه الشعوب.

   بعد ثورة 1917 نشطت حركة الاحتجاج سواء في أوروبا أو في غير أوروبا، وتجلّى هذا النشاط في كثرة التنظيمات الشيوعية التي نشأت عبر العالم وحتى تلك التي كانت مجرّد نواتات تصلّب عودها وتعزّز تأثيرها. ولم تكتف الاممية3 فقط بالدعوة إلى إنشاء منظمات شيوعية ثورية بل كانت تبعث بمندوبيها وتأتي إليها عناصر للتكوين وبعث خلايا وكانت تدعمها بالمال وفي بعض اللحظات عندما ينفجر الكفاح المسلّح كان هناك دعم لهذا الكفاح، ولا ننسى أن هذه التجربة لم تكن في عهد لينين فقط وإنما كانت أيضا في عهد ستالين، لأن لينين لم يستمر طويلا على رأس الدولة البلشفية وإنما استمر الحزب الشيوعي السوفياتي بقيادة ستالين. وما قدمه الاتحاد السوفياتي وما ضحّى من أجله سواء بمساعدته للشعوب والأمم المضطهدة شاهد لا ينكره أحد والتاريخ يثبته.

   إنّ ما يجب أن نضعه نصب أعيننا أن النضال من اجل الاشتراكية ومن أجل التحرر الوطني إنما هما خطان متداخلان ومتلاحمان لا يمكن أن نفصل بينهــما.

   النضال السلمي الديمقراطي لا بدّ منه، ولكن هناك مراحل من النضال لا يمكن حلّـها إلّا باعتماد عنف الجماهير، وعنف الجماهير يجب أن يكون منظّما ومهيكلا وأن يتصادم الإرهاب بعنف الشعب المنظم كما قال أبو القاسم الشابي.

   إنّ ما يجب التّأكيد عليه من خـلال هذه الإشارات القصيرة جدّا، أنّـه لا نصر على الرجعية، لا انتصار ولا خروج من بوتقة الهزيمة والاستعباد إلاّ بمزيد التضحية ومزيد الاستعداد. وكيف نستعدّ؟ يجب أن يتنظّم كلّ الثوريين، فكلّ الثوريين خارج تنظيم ثوري إنّما يظلّ فعلهم فعلا لا جدوى منه.

   وما نلاحظه، أنّ الوضع الآن الذي يكاد يخترق الكثير من المجموعات باسم المراجعات الفكريّة والدعوة إلى الانفتاح الأفقي والتنظم الأفقي ودع الناس يفكّرون كما يشاؤون وإنّ الخروج من سلطة الرأسمالي والإقطاعي سوف يؤدي إلى دكتاتورية أخرى... إنّ جوهر المسألة أنّ كلّ سلطة هي سلطة قمعية ولكن هناك فرق بين قمع أقلية للأغلبية وهذا الذي نعيشه وبين دكتاتورية الثوريين وهي دكتاتورية الأغلبيّـة الساحقة على الأقليّـة حتّى تستطيع أن تقضي عليها، وفي ما بعد تستطيـــع أن تحــلّ مشاكلهــا باتّجـاه   

 غــد الشّيــوعيّـة الذي يوحّــد البشــر



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق