الخميس، 17 ديسمبر 2020

في ذكرى انتفاضة 17 ديسمبر: الشّعب يريــد إسقاط النّظـــام


   منذ انتفاضة 17 ديسمبـر 2010 المجيدة والجمــاهير الكـادحة ترفع شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، هذا الشعار الذي لم يغب على أي تحرّك من التحركات الجماهيرية بل تعدّى حدود القطر لينتشر في كافة الأقطار العربيّة التي عرفت تحرّكات شعبيّة مناهضة للأنظمة الرجعيّة. لقد وحّد هذا الشعار التوجّه العام للشعب العربي وكشف عن مدى تـوق هـذا الشعـب للتحرّر والديمقراطيّة. إنّ اكتساح هذا الشعار لجلّ التحرّكات دفع بالعديد من الأطراف الانتهازيّة إلى تبنّيه دون إيمان بمضامينه الحقيقيّة على خلاف من رفعه في بداية الانتفاضة ومازال مصرّا على رفعه إلى حدّ الآن . إنّ شعار " الشعب يريد إسقاط النظام " يحمل في طيّاته مضامين ثوريّة لم تتحقّق إلى حدّ الآن ولن تتحقّق في ظلّ النظام الحالي ولعلها تتمحور فيما يلي :

  المضمون الإيديولوجي، مفاده أنّ تغيير الأنظمة الرجعيّة الحاكمة لن يتمّ بالإصلاح كما تروّج لذلك كافة القوى الإصلاحيّة والانتهازيّة بل بالثورة بمعنى أنّ الثورة هي السبيل الوحيد للإطاحة بأيّ نظام وأنّ التغيير الجذري لن يمرّ إلاّ عبرها.  

  المضمون الاقتصادي، يعني أنّ الأوضاع الاقتصاديّة للكادحين والجماهير الشعبيّة بصفة عامّة لن تتغيّر بصفة جليّة ولن تتحسّن ولن يتمّ توزيع الثروات بصفة عادلة إلاّ بتحرّرها وهذا التحرّر لن يتمّ إلاّ بإسقاط النظام وتغييره بنظام وطني وبسط سلطة العمال والفلاحين باعتبار أنّ النظام الحالي لا يخدم سوى مصالح الطبقات المهيمنة على السلطة (التحالف الكمبرادوري الإقطاعي البيروقراطي) ولا يسعى إلاّ لحراسة مصالح حلفائه الإمبرياليين والصهاينة والرجعيين. إنّ إسقاط النظام يعني بالضرورة بناء سلطة الديمقراطية الشعبية التي من أوكد مهامها بناء اقتصاد وطني قوامه تأميم الشركات وتأمين الشغل لطالبيه وتوزيع الثروات على الكادحين (السلطة للشعب والثروة للمنتجين) .

  المضمون الاجتماعي يختزل في مجمله حلّ المسألة الديمقراطيّة التي تعني بالضرورة التخلّص من علاقات الإنتاج الإقطاعية وتحـرير الفـلاحين الفقـــراء وتمكينهم من أراض لاستغلالـها تطبيقـا لشعار " الأرض لمن يفلحها " وتحرير المرأة، إضافة إلى الحدّ من الفــوراق الاجتماعيّة والقضاء على الجهويّة والعروشيّة والفكر الغيبي والشعوذة وكذلك على الفقر والتهميش التي تعاني منه الكادحون في المدن والأرياف.

  المضمون السياسي، انطلاقا من الترابط العضوي بين النظام القائم والإمبريالية العالميّة التي تفرض عليه بشتّى الطرق السياسات التي عليه اتّباعها و المتناقضة مع مصالح الكادحين، فإنّ فكّ الارتباط مع القوى الاستعماريّة والصهيونيّة والرجعيّة العربيّة وانتهاج سياسة وطنيّة لن يتمّ إلاّ عبر إسقاط النظام.

  إذن، فشعار "الشعب يريد إسقاط النظام" يختزل في مضامينه الرفض الحقيقي لما تطرحه حاليا   الانتهازيّة التي تسعى بكلّ إمكانياتها لترميم النظام القائم والتّموقـــع في السلطة مع التحالف الكمبرادوي الإقطاعي البيروقراطي الماسك بزمامها، بمعنى آخر، فإنّ هذه القوى قابلة لبعض الفتات الذي ستجود به عليها الرجعيّة الدينيّة والليبرالية مقابل الحفاظ على بؤس الكادحين.

إنّ هذا الشعار هو تعبير عن حقيقة يحاول الانتهازيون طمسها مفادها أنّ الظروف الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة لن تتغيّر بصفة جذريّة طالما واصل نفس النظام الحاكم منذ 20 مارس 1956 السيطرة على السلطة وأن الحلّ الجذري لمشاكل الكادحين يكمن في تغييره، فهذا الشعار هو حوصلة لمطالب الشعب وتعبير عن تطلّعاته المستقبليّة لما يختزله من أهداف من شأن تحقيقها تغيّر ظروف عيشهم نحو الأحسن. فالشعب يريد إسقاط النظام معناه تغيير علاقات الإنتــــاج القائمة عبر الثّـــورة.

  إنّ الجماهير الكادحة التي رفعت هذا الشعار إبّان الانتفاضة لم تتوجّه به لبعض رموز السلطة دون أخرى، بل كانت ترفعه في وجه النظام برمته وبكل أجهزته القمعية بوصفه المتسبب الرئيسي في بؤسها وجوعها وتهميشها، يقودها في ذلك طموحها للتخلّص منه إلى الأبد لإنهاء معاناتها المزمنة، غير أنّ الأطراف الانتهازيّة والرجعية المدعومة بالقوى الإمبرياليّة والتي تعلم  أنّ تواصل الانتفاضة من شأنه أن يطيح بها ممّا يمثّل خطرا داهما سيضر بمصالحها ومصالح حلفائها، فما كان منها سوى العمل على إجهاضها في المهد عبر ذرّ الرّماد في العيون بالتضحية ببعض رموز النظام والرمي بهم في السجن وإقناع الجماهير المنتفضة بأنّها أنجزت مهامّها خاصّة بعد هروب الجنرال وأصهاره وما عليهـــا سوى إيقاف تحركاتها والرجوع للعمل وانتظار "المكاسب التي ستجنيها إثر ذلك"  ولم تكن  حكومة الغنّوشي سوى جزء من ذلك النظام الذي رفع الكادحون ضدّه ذلك الشعار.

 لقد تمثلت الخطوات الأولى لإجهاض الانتفاضة في تغيير حكومة الغنوشي بحكومة السبسي التي اختزلت مهامها في إنجاز الانتخابات ممّا دفع بأغلب الأحزاب السياسيّة إلى الدخول مباشرة في حملاتها الانتخابيّة التي قدّمت من خلالها وعودا مغرية وزائفة للكادحين ممّا حدا بالبعض منها  إلى اعتبار   الانتخابات   الحلّ الأسلم لبؤسها الأمر الذي دفعها إلى التوقّف عن ممارسة حقها في التحرك والتعبير عن مطالبها في انتظار ذلك الوهم الموعود ممّا وفّر فرصة للنظام المتهالك لترميم صفوفه وبسط سيطرته من جديد . إلاّ أنّ الانتخابات تمّت ولم تحلّ مشاكل الجماهير الكادحة بل ازداد بؤسها وفقرها وجوعها خاصّة بعد أن اكتشفت وأنّ  ما قدمته لها تلك ألأحزاب إبّان حملاتها الانتخابيّة من وعود كانت مجرّد أساليب خبيثة استعملتها للتأثير عليها وجذبها لصفوفها لغايات انتخابية الهدف منها الوصول إلى السلطة  لا غير .

  لقد اقتنعت الجماهير الشعبية التي واصلت رفع شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" بأنّ النظام الذي انتفضت ضدّه وقدمت خلال ذلك ضريبة الدم  ومئات الشهداّء وآلاف الجرحى لم يتغير بل تمّ ترميمه بصعود قوى رجعية  للسلطة لتحلّ محلّ قوى رجعيّة أخرى بمعنى أدقّ تمّ تبادل المراكز والأدوار، ففي السابق كانت الهيمنة على السلطة السياسيّة لليمين الليبرالي فأصبحت بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 لصالح اليمين الديني مع الحفاظ على نفس التحالف الطبقي ممّا يطرح على الكادحين مواصلة انتفاضتهم حتى  كنس الرجعيّة والانتهازية.

---------------------------

طريق الثورة، ماي 2014


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق