وكثيرا ما تتكرر كلمة انقلاب لتوصيف ما حدث خلاله، وقد كان الثوريون التونسيون قد قدّموا قراءة معــايرة لما روّجته الرجعية على هذا الصّعيد معتبرين ما تم في تونس بدءا من يوم 17 ديسمبر 2010 هو انتفاضة شعبية مجيدة نادت بمطالب سياسية واجتماعية مشروعة وقد أمكن تحقيق بعضها بينما لا يزال البعض الآخر دون تحقيق وأنّ يوم 14 قد مثل اللحظة التي اتحدت فيها قوى محلية وعربية ودولية لقطع الطريق أمام مواصلة الانتفاضة وتحولها إلى ثورة تطيح بالنظام الرجعي القديم و تؤسس لنظام وطني ديمقراطي شعبي جديد .
لقد راهنت الامبريالية العالمية على استغلال الانتفاضة في تونس و توظيفها لصالحها من خلال وضع خطة الفوضى الخلاقة موضع التنفيذ في الوطن العربي كله بعد أن جربتها في العراق التي كانت حاضنتها العربية الأولى على مدى سنوات، وبالفعل فقد حققت بعض النتائج المهمة لصالحها فالوطن العربي وتونس من ضمنه يعيش اليوم أوضاعا اقتصادية واجتماعية وسياسية عصيبة فالاقتتال الطائفي والمذهبي متفش في العديد من أقطاره التي ترتكب فيها مجازر بشعة والفقر والبطالة وغلاء الأسعار وقوارب المهاجرين في ازدياد والكيان الصهيوني في أزهي أيامه والثروات العربية تتدفق على الخزائن الأوربية والأمريكية وما كان لهذا أن يحصل لولا اجتماع جملة من العوامل الأساسية التي منها :
أولا : ضعف قوى الثورة التي كانت و لا تزال ممزقة الصفوف جراء تفشى الطوائف و الملل السياسية التي يدعى كل منها النطق باسم الشعب و الثورة و عدم إدراكها ان في وحدة الثوريين حزبيا و جبهويا توفير لإحدى الضمانات الأساسية لانتصار الشعب.
ثانيا : استعمال اليمين الديني من طرف الامبريالية والرجعية الخليجية يشكل خاص كأداة لتنفيذ تلك الخطة مما سهل استجابة أوساط شعبية لها، فكانت ضحية توظيف الدعاية الدينية لغايات سياسية مشبوهة .
ثالثا : رجحان الكفة خلال السنوات الأخيرة لصالح الامبريالية و الصهيونية والرجعية العربية بعد هزيمة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي والصين بشكل خاص وضرب القوى الثورية عبر العالم .
لقد هرب بن علي يوم 14 جانفي 2011 واستقبل في السعودية لكي يعيش في هدوء وأمان هناك بعيدا عن ا،ى مساءلة قانونية وقد تلاشى الآن الضجيج الذي كان يصدر عن رئاسة الجمهورية والحكومة والمجلس التأسيسي عن جلبه ومحاكمته، والمؤكد أنّ كفاح الشعب اجبره على الهرب أو أجبر أسياده على تهريبه تجنبا للأسوأ الذي كان سيصيب مصالحهم لو تجذّرت الانتفاضة من حيث أساليب نضالها، وفي كل الأحوال فإن ذلك اليوم مهم دون شك في تاريخ كفاح الشعب أيا كانت القراءة التي سوف تقدم تاريخيا له ولكنه من موقع القراءة السياسية الراهنة فإنه لا يزال موضع مضاربة في البورصة الحزبية لاستغلاله في نشر أوهام بعيدة عن الواقع المراد منها حكم الشعب بأسطورة 14 جانفي بعد أن حكم بأسطورة 7 نوفمبر لمدة تقترب من ربع قرن.
----------
العدد الـــخامس، جانفي 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق