تمّ يوم 2012/12/06 توقيع اتّفـاق "تعاون" بيـن وزارتي العــدل والشّؤون الدّينيّة لغايـة "توعيّة المساجين وأطفال الإصلاحيّات" ويقضي هذا الاتّفاق المبرم بين رموز نهضاويّة من وزارتين مختلفتين بقيام وزارة الشؤون الدّينيّة بتسيير وتنظيم دروس توعويّة دوريّة في مجال العقيدة والسّلوك والفقه وعلوم الشريعة يلقيها وعّاظ وأئمّة مختصّون وإقامة مسابقات في تلاوة القرآن وتجويده داخل السّجون والإصلاحيّات، كالإشراف على صلوات التّراويح والجمعة والعيديْن وفي المقابل تتكفّل وزارة العدل بتيسير عمل الوعّاظ وتأمين تنقّلاتهم ومختلف مهامّهم .
وقد كلّف الداعية البشير بن حسن صاحب فتوى "عدم إجازة الإضراب العام شرعا" والذي تميّزت خطبه بتكفير الفنّانين والمثقّفين وغيرهم إلى جانب دعوته إلى التّقاتل، بالقيام بهذه الدروس واختيار الأئمّة والوعّاظ الذين سيستعين بهم في مهامه المشبوهة.
وفي خطوة استباقيّة لتوفير الظّروف الملائمة لتمرير هذا المشروع ، تولّى وزير العدل إقالة 07 من مديري السجون وتغييرهم بآخرين حتّى يتمكّن الوعاظ من التحرّك بكلّ حريّة وتمرير مشاريعهم التي تخفي قشرتها الدينية مشاريع سياسية مشبوهة . فما هي دواعي هذه الاتفاقيّة وما هي أهدافها الخفيّة ؟
من المعلوم أنّ العناصر القابعة داخل السّجون والإصلاحيّات هي من الفئات المهمّشة التي عانت وما زالت تعاني من الفقر والجوع والحرمان والجهل لعدم قدرتها على الدّراسة أو على مواصلتها والبطالة لعدم وجود مواطن شغل توفّر لها العيش بكرامة وكذلك انسداد الأفق أمامها وهي ضحيّة من ضحايا سياسة النظام العميل في تونس. فهذه الفئات دفعتها ظروفها الاجتماعية القاسية إلى ولوج عالم الجريمة فوجد العديد من المنتسبين إليها أنفسهم قابعين بين جدران السجون من حيث لا يعلمون.
ونظرا للوضع الاجتماعي البائس الذي يعيشونه عند خروجهم من السّجون وعدم قدرتهم على الاندماج داخل محيطهم الاجتماعي لغياب الإحاطة بهم ورفضهم من قبل المجتمع وحاجتهم الماسّة للمال لتوفير ضروريات الحياة، سعت العديد من الأحزاب الانتهازية والرجعية لاستغلال قدراتهم في ممارسة العنف واستأجروهم في عديد المناسبات للقيام بكل المهام القذرة.
ولعلّ السّلفيين هم أكثر الأطراف التي استفادت من هذه الفئة المهمّشة فاستقطبت جانبا هاما من خريجي السجون وتجّار المخدّرات والمنحرفين وشغّلتم لفائدتها مقابل أموال ومشاريع تجاريّة صغيرة وحماية تجارتهم في الخمور والمخدّرات. كما أنّ حركة النهضة أيضا سارعت إلى تجنيد البعض منهم وتشغيل البعض الآخر في التصدّي لكلّ التحركات والوقفات الاحتجاجيّة المناوئة للحكومة النهضويّة.
ونظرا لما برهنت عليه هذه الفئة المهمّشة من انضباط في تأدية مهامها القذرة وتحرّكاتها السريعة وقدرتها على القمع والترهيب، طغى التنافس بين حركة النهضة وبقية المجموعات الدينيّة والليبرالية الأخرى حول تجنيدهم ومن يستأثر بأكبر عدد منهم.
لقد اختارت حركة النهضة الطريق الأقصر للوصول إلى مبتغاها والابتعاد عن هذه المنافسة وذلك عبر هذه الاتّفاقية المبرمة أخيرا والتي تتيح لها الاستفراد بكلّ المساجين وتجهيزهم وإعدادهم وربّما تدريبهم حتّى تصبح السجون بمثابة مزارع لتفريخ اليمين الديني وميدانا لإعداد الميليشيات المتخصّصة في القمع والإرهاب بعيدا عن أعين المراقبين خاصّة وأنّ الدروس سيتمّ تقديمها من طرف متشدّدين دينيين وسيكون الالتزام بهذا البرنامج "الديني" عنصرا رئيسيّا في الحطّ من العقوبات والتمتّع بالسّراح الشرطي.
لقد استلهمت حركة النهضة هذه المشاريع ممّا قامت به الأنظمة الخليجية الرجعية وما زالت تقوم به حاليا بارتباط بالأحداث في سوريا فالنظام العميل في السعوديّة مثلا وبالتحديد في شهر ماي المنقضي اتّفقت مصالح وزارة داخليّته مع المئات من الموقوفين في سجونها والمتّهمين بجرائم يطبّق فيها حكم الشريعة الإسلاميّة بقتلهم تعزيرا بالسّيف، خاصّة الذين تمّت إدانتهم بتهريب المخدّرات والقتل والاغتصاب من الجنسيات العربيّة والآسيويّة على إعفائهم من إقامة الحدّ الشرعي عليهم وصرف معاشات شهريّة لعائلاتهم وذويهم الذين سيتمّ منعهم من السّفر إلى الخارج مقابل تأهيلهم وتدريبهم وإرسالهم إلى "الجهاد" في سوريّة .
و تجدر الملاحظة هنا أنّ هذه الفئة المهمّشة وعوض أن يتمّ الإحاطة بها وإعادة إدماجها داخل محيطها العائلي والاجتماعي بتوفير الشغل لها ومتابعتها نفسانيّا حتّى تكون عنصرا فاعلا في المجتمع وتساهم من موقعها في البناء وتتمكن بذلك من العيش بكرامة، نجد جلّ الأنظمة الرجعيّة المعادية للجماهير الكادحة ولتطلّعاتها في التحرّر والاشتراكية، تسعى لمواصلة استغلالها بشتّى الطرق عبر توظيفها في الأعمال الوضيعة وبتجنيدها لتنفيذ مخططاتها الإرهابية سواء داخل حدودها أو خارجها خدمة لمصالح حلفائهم الإمبرياليين والصهاينة.
إنّ حركة النهضة مثلها مثل بقيّة الأنظمة العربيّة الجاثمة على صدر الشعب العربي، لم تشذّ عن هذه القاعدة فتوجّهاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسيّة والثقافيّة كلّها معادية لتطلّعات الجماهير الكادحة التي هبّت يوم 17-12-2010 لمقاومة أعدائها ومن كانوا سببا في شقائها طيلة عقود يحدوها الأمل في التحرر بصفة نهائيّة من الاستغلال والاضطهاد. غير أنّ هذا الاستغلال وهذا الاضطهاد ظلّ يمارس عليها إلى حدّ الآن وبطرق شتّى فطبيعة النظام لم تتغيّر ولم تحدث ثورة رغم الأوهام التي يروّجها الانتهازيون والرجعيون حولها بل تمّ الإجهاز على الانتفاضة في مهدها خدمة للأطراف الرجعية العميلة وللإمبريالية العالمية والصهيونيّة، ممّا يدعو الجماهير الكادحة وكل الفئات المفقّرة والمهمّشة إلى التصميم على مواصلة النضال دون هوادة لتحقيق أهدافها لأنّ طريق تحرّرها لا يزال طويلا وشاقّا ولن يكون إلا من صنعها ومن بين ما يقتضيه ذلك الاهتمام بتلك الفئات المقهورة والمظلومة وتوجيهها فكريا وسياسيا لخدمة الشعب.
---------------------
طريق الثورة، العدد 5
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق