تشظي اليسار العربي والتونسي كجزء منه لا ينبغي النظر اليه باعتباره مأساة تدعو الى الرثاء، تلك الحالة ليست غريبة ولا جديدة، إنّها حالة موضوعية موجودة في كل البلدان وفي كل مراحل التاريخ تقريبا، فالواحد ينقسم الى إثنين، وهكذا دواليك، في الدين مئات الفرق، في السياسة، في الاقتصاد أيضا.
لكن مع الانقسام هناك الوحدة وبعد الوحدة هناك الانقسام، الأمر يتعلّق بالديالكتيك، وهذا أمر موضوعي حتى في عالم النبات والحيوان الخ... يحصل ذلك. في الحالة الجيدة يتم الانطلاق من الوحدة نحو الصّراع ثم تكون العودة من الصّراع في اتّجاه الوحدة وقتها يكون التطور من وحدة أدنى إلى وحدة أعلى ...
عدم إدراك هده الحالة يجعلنا نتباكى على وحدة وهمية/ ميتافيزيقية نقية من كل تناقض وصراع، الوحدة في السياسة والفكر هي وحدة حيّة تنوس بين اندماج وانقسام ولا يعني هذا أنّ الأمر يتعلق بصراع بين أشخاص وزعماء الخ وإنّما هناك صراع بين سياسات وأفكار وممارسات وحتى داخل الشخص الواحد يمكن أن يتمظهر ذلك الصراع.
في تونس هناك لحظة مهمة الآن، وهى تفكّك الجبهات الوهمية التي لم تكن غير تجمعات انتخابية وعندما حلّت المواعيد تفرّق الشّمل، الآن هناك إعادة بناء، انقسام فوحدة على أسس أخرى ربّما تمّ إدراكها أو أنّ كثيرين في طريقهم إلى إدراكها .
الجبهات تستدعي من حيث البناء إدراك التناقضات وخاصة الرئيسي منها فهو الذي تجد فيه القاعدة التي تقوم عليها إن لم يكن اليوم فغدا... أمّا الأحزاب فهي كثيرة ولا يجب تتفيهها وإنّما فهمها والانتماء إليها أيضا، فهي سلاح للتغيير عندما تكون ثورية وللتبرير وتكريس الواقع عندما تكون نقيض ذلك... أمّا القول بأنها كلها متشابهة ومجرّد دكاكين فإنه قول يكرر تفاهات الايديولوجيا السائدة التي غرضها إخراج الكادحات والكادحين من حلبة المجال السياسي. وفضلا عن ذلك فإنّ الاعتقاد في حلّ يأتي من خلال حزب يساري كبير واحد لا يقل ميتافيزيقية، فذلك الحزب لم يوجد في أي بلد ولن يوجد طالما أدركنا ما قلناه فوق، حتى في زمن ماركس وانجلس كان هناك تعدّد في الأحزاب العمّالية والطبقة العاملة نفسها ليست كتلة متجانسة وإنّما هناك فئات تكوّنها ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق