بعد هروب أو تهريب زين العابدين بن علي بيومين تقريبا كنت مع جموع المتظاهرين المحتفلين في قلب مدينة صفاقس الموصوفة بعاصمة الجنوب التونسي، التقيت صديقا جامعيا ورحنا نتبادل أطراف الحديث، فجأة قال لي هل ترى هناك ما أرى ؟ التفت فإذا بسيارات الشرطة قادمة، وفيبعضها أعوان بزيهم المعروف واقفين، ملوحين بأيديهم، وهم الذين اختفوا تماما قبل ذلك ولم يعد لهم من أثر، عندما اقتربوا علمنا أنهم يريدون أيضا الاحتفال برحيل بن على، كان هؤلاء قبل أيام مرابطين في الساحات والشوارع مزودين بما تيسر من أدوات القمع
المختلفة حتى أنهم قتلوا متظاهرا في شارع المدينة الرئيسي بدخان قنابلهم، أما في جهات أخرى فقد استعملوا الرصاص الحي مرارا وتكرارا ونكّلوا بضحاياهم مثلما حدث مع شوقي الحيدري في منزل بوزيان، الذي جروه وهو جريح على الاسفلت الحجري، قبل أن يستشهد، تاركا طفلة عمرها سنوات ثلاث. حتى أن بن علي خاطبهم في آخر أيامه قائلا : يزي من الكرطوش (كفى رصاصا).بعد مدّة كوّن هؤلاء النقابات الأمنية مستفيدين من كفاح الشعب الذي اضطهدوه على مدى عشرات السنين، تم ذلك خفية وفي غمرة الفورة النقابية والجمعياتية التي شهدتها تونس وقتها، فقد كان بوسع من هب ودب تكوين حزب أو جمعية أو نقابة الخ.. واعتقد بعضهم أن تلك الأجهزة تغيرت جذريا وأصبحت جمهورية ومحايدة ومهنية الخ.. حتى أنهم أهدوها باقات الورد، وظهر زعماء سياسيون كانوا لوقت قريب في سجون بن على وهم يتبادلون القبل مع أعوان الشرطة والحرس مربطين على أكتافهم.
ثم دارت الأيام دورتها فإذا بمنخرطي تلك النقابات يحاصرون ”قصور عدالة” مثلما جرى مؤخّرا في محكمة بن عروس على مقربة من العاصمة لترهيب قاض قالت وسائل إعلام أنّه كان يرتعد خوفا من سلاح هؤلاء وفي مناسبات مختلفة كان هؤلاء يعمدون إلى نشر صور لمواطنين دون اذن منهم وهم رهن الاعتقال، وتبيّن بعدها أنهم أبرياء مثلما حصل مع ذلك العامل الذي وجد على مقربة من المواجهة الأخيرة مع إرهابيين في مدينة سوسة، وذنبه أنه كان ملتح، ورأينا فظاعات كثيرة قولا وفعلا ،كنت شخصيا شاهدا عليها وعرضة لها فعندما اعتقلوني لم يسمحوا لي حتى بإبلاغ أخي المحامي أو زوجتي وأبنائي بأني في السجن، وتطلب الأمر صباحا قيام عائلتي بالبحث عن في مستشفيات ومراكز شرطة قبل أن تعلم بأمري صباح اليوم الموالي لاعتقالي. وذاك ليس غريبا في بلدي فالمنتسبون لتلك النقابات تغولوا حتى على وزراء الداخلية ورئيس الجمهورية السابق الباجي قائد السبسي، مما جعله يصفهم بالقردة. فروح الفريق، ووحدة القطاع تجعلهم يعتقدون أنهم فوق القانون وأن بإمكانهم فعل ما يريدون، فالفريق سيهب لنجدتهم ولن يسمح باعتقالهم مثلا رغم ما ارتكبوه، وعندما يكون ذلك الفريق مسلحا تكون الطامة الكبرى، ومع مرور الوقت تكبر المشكلة، وتتشكل الميليشيات المسلّحة، ويصفي بعضها بعضا ،ولكل قطاع كتيبته المسلحة.
اليوم تنادي جمعية المحامين الشبان ومنظمات وجمعيات أخرى بحل تلك النقابات فقد أخذت تلك الأجهزة هدية في وقت غفلة، وتبين أنها ليست أهلا لها فتوجب ردها الى أصاحبها، وأعني الشعب الذي لا راد لحكمه وإن طال الزمان.
صحيفة رأي اليوم، 15-10-2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق