في شهر سبتمبر 1948 عقد المكتب السياسي للّجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الصّيني أكبر اجتماع له من حيث عدد الحاضرين منذ إلحاق الهزيمة بالاحتلال الياباني للصين، وقدّم خلال الاجتماع الرّفيق ماوتسي تونغ الإخطار الدّاخلي للّجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الصّيني. وفي هذا الإخطار يورد ماو حصيلة عامين من الحرب الاهليّة في الصين بين جيش التحرير الشعبي بقيادة الحزب الشيوعي من جهة وجيش الكيومنتانغ الرجعي الذي تدعمه الامبريالية الامريكية.
يستعرض الرّفيق ماوتسي تونغ في هذه الفقرة الانتصارات التي حقّقها جيش التّحرير الشعبي على العدوّ ومساحة الأراضي المحرّرة وكذلك التقدّم في إنجاز الإصلاح الزراعي. فيقول: "وخلال العامين الأخيرين من المعارك، من يوليو 1936 إلى يونيو 1938، انزل جيش التحرير الشعبي بقوات العدو خسائر تبلغ مليونين و640 ألف رجل، منهم مليون و630 ألف أسير. إنّ غنائمه الحربية الرئيسية في هذين العامين تشتمل على زهاء 900 ألف بندقية، وعلى ما يزيد عن 64 ألف رشاش ثقيل وخفيف وثمانية آلاف مدفع خفيف، وخمسة آلاف مدفع مشاة، وألف ومائة مدفع ثقيل للجبال والميدان".
وفي نفس الوقت، يعدّد ماو التطوّر السريع الحاصل طيلة نفس الفترة في عدد قوّات جيش التحرير الشعبي حيث تضاعف العدد ليبلغ مليونين و800 ألف رجل و"ارتفعت قواته النظامية من 118 إلى 176 لواء أي من 610 آلاف رجل إلى مليون و490 ألف رجل".
أمّا بخصوص المناطق المحرّرة فقد اتّسعت مساحتها إلى مليونين و350 ألف كلم2 وهي مساحة تمثّل حوالي ربع المساحة الجمليّة للصّين. ومع اتّساع مساحة الأراضي المحرّرة، فقد تقدّمت سياسة الإصلاح الزّراعي بمصادرة أراضي كبار الملاكين على الفلاحين الفقراء. وبهذا الخصوص قال ماوتسي تونغ: " ونظرا إلى أنّ حزبنا قاد الفلاحين بصورة حازمة في تحقيق إصلاح النظام الزراعي، حُلّت الآن مسألة الأرض حلاّ تامّا في مناطق يأهلها زهاء مائة مليون نسمة ووزّعت فيها أراضي طبقة ملاك الأراضي والفلاحين الأغنياء من الطّراز القديم توزيعا متساويا تقريبا على سكّان الأرياف وفي مقدّمتهم الفلاحون الفقراء والفلاحون الأجراء". ومكّنت المناطق المحرّرة الجديدة من الاستيلاء على خطوط النقل الحديدي والمناجم وبعض الصّناعات وهو ما طوّر قدرات الحزب في مجال الصّناعات الحربيّة رغم عدم إيفائها بالقدر الكافي لمتطلّبات الحرب.
لم تقف الإنجازات التي حقّقها الحزب الشيوعي والشعب الصّيني لا على المستوى العسكريّ بفضل الانتصارات ضدّ القوات الرجعية والتي مكّنت جيش التحرير الشعبي من الانتقال من مرحلة الدّفاع إلى مرحلة الهجوم ولا أيضا على المستوى الاقتصادي الاجتماعي من خلال تقدّم سياسة الإصلاح الزّراعي، بل إنّها تجاوزتها إلى المستوى السياسي وتحديدا في علاقة بسياسة الامبريالية الأمريكيّة حيث نجح الحزب الشيوعي الصيني في وضع حدّ لتأثير الامبريالية وسياساتها على الشعب الصيني بعد فضح مؤامراتها ضدّه ودعمها المباشر للكومنتانغ. كما قام الخزب بتأسيس حكومة شعبيّة موحّدة في المناطق الشماليّة تهتمّ بإدارة شؤون سكّان المناطق المحرّرة.
بعد استعراض هذه النّجاحات، ينتقل ماوتسي تونغ إلى رسم خطوط المرحلة القادمة وخصوصا السنة الثالثة من الحرب. وبعد احصائيات دقيقة حول التطوّر الذي سيكون عليه عدد أفراد الجيش الرّجعي من جهة وعدد رجال جيش التحرير الشعبي من الجهة المقابلة، يؤكّد ماو على ضرورة تعزيز صفوف الجيش بملايين المقاتلين من ارياف الصين ومدنها وتحويل حرب العصابات إلى حرب نظاميّة وكذلك على ضرورة إعداد كوادر في كلّ الميادين، يقول بهذا الصّدد: "إنّ مهمّة الاستيلاء على الحكم في كلّ البلاد تتطلّب من حزبنا ان يدرّب بسرعة وبصورة منهاجيّة عددا كبيرا من الكوادر القادرين على إدارة الشؤون العسكريّة والسياسية والاقتصاديّة وشؤون الحزب والثقافة والتعليم". وبقدر الأهميّة التي اولاها ماوتسي تونغ للجانب العسكري والسياسي والاقتصادي، فإنّه لم يهمل أهميّة الجانب النّظري والجانب التثقيفي في صفوف الحزب، فشدّد على "رفع مستوى الكوادر النّظري وتوسيع الحياة الديمقراطية داخل الحزب".
------------------كان ماوتسي تونغ يعتقد حسب سير المعارك وتطوّر موازين القوى أنّ الثّورة تسير إلى الأمام وأنّها ستقضي على حكم الكومنتانغ وتنتصر في أفق عاميْن.
الاقتباسات مقتطفة من: "إخطار اللّجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني حول اجتماع سبتمبر، 10 أكتوبر 1948"، من مؤلّفات ماوتسي تونغ المختارة، المجلّد الرّابع، دار النشر باللّغات الأجنبية، بيكين، 1973، ص. ص. 345-356.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق