الأحد، 14 مارس 2021

في ذكرى وفاة معلّم البروليتاريا الثوريّة كـــارل مـــاركس، 14 مارس 1883

 خطاب على قبر ماركس             بقلم فريدريك انجلز


     في الرّابع عشر من مارس وعلى السّاعة الثالثة إلاّ ربع ظهرا توقّف أعظم مفكّر عن التفكير. لقد ترك وحيدا لدقيقتين بالكاد وحينما عدنا وجدناه جالسا في كرسيه نائما في هدوء ولكن إلى الأبد
.

   إنّها خسارة لا تقاس ضربت كلاّ من الطبقة العاملة المناضلة في أوروبا وأمريكا وعلم التاريخ بوفاة هذا الرّجل. إنّ الثّغرة التي نجمت عن رحيل هذه الروح العظيمة ستبرز بجلاء قريبا.

   فمثلما اكتشف داروين قانون تطور الطبيعة العضوية اكتشف ماركس قانون تطور التاريخ البشري: الحقيقة البسيطة التي تخفيها هيمنة الايديولوجيا وهي أنّ الإنسان يجب أوّلا أن يأكل ويشرب ويجد المأوى والملبس قبل أن يصبح في استطاعته الاهتمام بالسياسة والعلم والفن والدين الخ… وبالتالي فإنّ إنتاج الوسائل المادية الضرورية للعيش ومن ثمة درجة التطور الاقتصادي المحققة من طرف شعب ما أو في حقبة ما تشكّل الأساس الذي تقوم عليه مؤسسات الدولة والمفاهيم الشرعية والفن وحتى الأفكار حول الدّين التي يختص بها هذا الشعب أو ذاك وعلى ضوئها يجب أن تفسر وليس العكس كما هو الحال.

   و لكن ليس هذا كلّ ما في الأمر. فقد اكتشف ماركس أيضا القانون الخاصّ بالحركة الذي يحكم نمط الإنتاج الرأسمالي لعصرنا والمجتمع البرجوازي الذي خلقه هذا النمط من الإنتاج. إنّ اكتشاف فائض القيمة سلط الضوء فجأة على المشكلة محاولا حلّ ما عجزت عن حلّه جميع البحوث السابقة من لدن الاقتصاديين البرجوازيين وكذلك النقاد الاشتراكيين.

   إنّ هاذين الاكتشافين لأمر كاف في حياة شخص. وسيكون سعيدا ذاك الذي يتسنى له تحقيق ولو أحد هاذين الاكتشافين.

   علاوة على ذلك فانه وفي كل حقل بحث فيه ماركس – ولئن بحث في حقول عديدة ولم يكن ذلك بسطحية في أيّ منها –  حتى في حقل الرياضيات قام ماركس باكتشافات مستقلة.

   هكذا كان ماركس رجل علم. إلاّ أنّ ذلك لم يكن يمثل ولو نصف هذا الرجل. لقد كان العلم بالنسبة لماركس حركية-دينامية- تاريخية وقوة ثورية. ومهما كان سروره عظيما بأيّ اكتشاف جديد في العلوم النظرية ولئن كانت تطبيقاتها مستحيلة البلوغ فإنّه كان يعيش  سرورا من نوع آخر حين يشمل الاكتشاف الجديد تغييرا ثوريا مباشرا في الصناعة وفي التطور التاريخي عموما. فعلى سبيل المثال كان متابعا عن قرب لتطور الاكتشافات المحققة في مجال الكهرباء و آخرها تلك لمارسال دوبري.

    كان ماركس قبل كل شيء ثوريا. وكانت مهمته الأولى في الحياة المساهمة بطريقة أو بأخرى في الإطاحة بالمجتمع الرأسمالي وبمؤسسات الدولة التي جلبها معه وكذلك المساهمة في تحرير البروليتاريا الحديثة الذي كان أوّل من جعلها تعي بموقعها وحاجاتها وتعي بشروط تحرّرها. لقد كان الكفاح أمرا أساسيا بالنسبة إليه فكافح بحب وعزم ونجاح لا ينافسه فيهم إلّا قليلون. وكان عمله في الجريدة الرينانية الأولى-1842- وفي إلى الأمام الباريسية- 1844وفي جريدة البروكسالي الالمانية-1847 – وفي الرينانية الجديدة-1848-1849. وفي التريبيون النيويوركية -1852-1861-. وبالإضافة إلى ذلك إشرافه على نشريات نضالية وعمله في منظمات في باريس وبروكسال ولندن وأخيرا توّج كل ذلك بتكوينه جمعية الرجال العاملين العالمية. كان ذلك إنجازا بإمكان محققه أن يفخر به حتى ولو لم ينجز شيئا غيره.

   وكنتيجة لذلك كان ماركس أفضل المكروهين وأكثر المشهّرين بهم في عصره فقامت حكومات مطلقة وجمهورية على حدّ السّواء بترحيله عن أراضيها وتنافس البرجوازيون من المحافظين أو من أقصى الديمقراطيين بالتشهير والثلب لشخصه.  لقد أزاحوا ماركس كما تزاح خيوط العنكبوت. لكن لم يعر ماركس اهتمامه بذلك ولم يرد إلّا عندما دعته الضرورة إلى الردّ. ومات محبوبا ممجدا ونعته الملايين من العمال الثوريين- من مناجم سيبيريا الى كاليفورنيا وفي كافة انحاء اوروبا وامريكا.

و لمن المهم القول انه برغم خصومه العديدين فبالكاد ان كان له عدو شخصي واحد.

سيخلد اسمه على مر العصور و كذلك اعماله !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق