الأربعاء، 17 مارس 2021

خطّة الإصلاح الاقتصــادي: خطّة لإنقاذ الاقتصاد أم لإنقاذ الحكومة ؟

 

  صرّح رئيس الحكومة اليوم الأربعاء 17 مارس 2021 بأنّ الوضع الاقتصادي في تونس خطير جدا ويستوجب توفير مناخ سياسي يُسهّل عملية الإقلاع الاقتصادي من خلال الانكباب على وضع الاصلاحات الاقتصادية وتحقيق الانتعاش الاقتصادي المنشود.

   هذا التّصريح جاء خلال إشراف رئيس الحكومة على أولى لقاءات "بيت الحكمة" بحضور كل من محافظ البنك المركزي والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل ورئيس اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وعدد من "الفاعلين الاقتصاديين" في إشارة منه للانطلاق في تنفيذ خطة الاصلاح الاقتصادي للحكومة من اجل مجابهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية.

   ما صرّح به رئيس الحكومة ليس خافيا على احد وخصوصا على كادحي وكادحات هذا البلد لانّهم اكثر الطّبقات الاجتماعيّة تضرّرا من الانهيار الاقتصادي الذي ينذر بالكارثة وهو انهيار يتفاقم يوما بعد يوم، وكأنّ الشعب ينتظر من يعلمه بوضعه.. ربّما هذا المسؤول استفاق الآن بهذا الخطر الدّاهم، ولا عجب في ذلك بما أنّه كان مهموما –ولا زال طبعا- بأزمة بيته/حكومته الدّاخليّة في ظلّ المأزق الذي انزلق إليه في إطار التحالفات المصلحيّة التي نسجتها له النّهضة وحلفاؤها في البرلمان فأصبحت بمثابة الخناق الذي ما فتأ يضيق حول رقبته وجعل منه مجرّد دمية تحرّكها أصابع تلك القوى التي جرّته إلى خندقها.

وإذا كان الوضع الاقتصادي الخطير ليس غريبا عن هذا الشّعب، فالغرابة تكمن في تجاهل هذا المسؤول العالي للمسؤول عن هذا الخطر ؟ فقد كان بإمكانه أن يصرّح بمسؤوليّة حكومته عمّا بلغته الأوضاع من خطورة وهو الجالس على كرسي هذه الحكومة منذ خمسة أشهر ونصف ممّا يجعله المسؤول الأوّل والمباشر عن تفاقم هذه الأزمة. لكنّ الاعتراف بالمسؤوليّة ليس من شيم حكّامنا، وحفاظا على تقاليدهم وجب حفظ الأسرار والتكتّم.

هناك نقاط أخرى تثير العجب والغرابة أيضا في هذا الاجتماع الموسّع الذي وقع في بيت الحكمة اليوم:

أوّلا: لماذا بيت الحكمة ؟ فربّما اختيار هذا المكان فيه رسالة طمأنة من قبل رئيس الحكومة إلى القلقين فعلا عن مصير البلاد، وكأنّ بيت الحكمة في تصوّره ستمكّنه ومن معه من اتّخاذ قرارات حكيمة تنفع الاقتصاد وتنقذه من أزمته !!!  ولعلّ يكون هذا المكان طالع خير لا على الاقتصاد فحسب ولا على الشّعب فحسب، ولكن على رئيس الحكومة أيضا فيتمكّن إذا ما تحقّقت هذه "المعجزة" المنتظرة من تسجيل أهداف في مرمى منافسيه وخصوصا رئيس الدّولة وبالتالي يضمن استمرار منصبه وحكمه.

   ثانيا: لماذا استدعى رئيس الحكومة اتّحاد الشّغّالين ممثّلا في أمينه العام واتّحاد الأعراف ممثّلا في رئيسه وكذلك بعض "الفاعلين الاقتصاديين"، والحـال أنّه يمثّل السّلطة التنفيذيّة وهو المسؤول عن اتّخاذ القرارات وتنفيذها في ما يخصّ الاقتصاد ؟ ربّما يحاول رئيس الحكومة أن يظهر بمظهر المسؤول عن المجتمع بمختلف فئاته وطبقاته فجمع حوله من يمثّله ليبعث إلى منتقديه رسالة مفادها أنّه شرّك ممثلي المجتمع في اتّخاذ القرارات المصيريّة حتّى وإن كان إحضارهم لا يتجاوز مفهوم الدّيكور أي انّ دورهم استشاريّ لا أكثر. وبالتالي، فإنّ مثل هذا التجميع سيلمّع صورته في كلّ الحالات سواءً كان دور الحاضرين استشاريّا او تقريريّا، مع أنّ حضور اتّحاد الشغالين واتحاد الأعراف على نفس الطّاولة لا يمكن ان تصدر عنه إلاّ قرارات مختلفة عن لم تكن متناقضة خصوصا في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة المتفاقمة ولا يمكن لرئيس الحكومة هذا أن يوفّق او يوحّد بين ما يقترحه هذا الاتّحاد وما يقترحه الاتّحاد الآخر.

   لكنّ هذا التوسيع يخفي غاية أخرى، قد يصعب على البعض ممّن تغلب عليهم النّوايا الحسنة استقراؤها من مثل هذه السّياسات، وتتمثّل في توزيع المسؤوليات على من حضروا إذا ما لم يكتب لهذه الخطّة الإصلاحيّة أن تُصلح أحوال الاقتصاد.

   ثالثا: ها قد استفاق رئيس الحكومة بأنّ الوقت قد حان للانطلاق في خطّة الإصلاح الاقتصادي، لكن لماذا أضاع كلّ هذا الوقت ؟ وهو الذي ظلّ يردّد خلال مباحثات تشكيل حكومته انّ أولويّته هو إصلاح الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة وتواصل ترديده لهذه الأغنية عند المصادقة على حكومته ثمّ عند المصادقة على تحويره الوزاري وظلّ يصرّح بهذه الأولويّة في كلّ مناسبة أو في غير مناسبة حتّى سئم التونسيون هذه الأغنية التي ما عادت تثير اهتمامهم إلى حدّ أنّهم يئسوا من إمكانيّة إنجاز تلك الوعود مثل غيرها من الوعود التي سبقتها ولم تتحقّق.

   ومع ذلك، فإنّ هذه الاستفاقة المتأخّرة مازالت ستطول بما أنّ ما حصل اليوم ليس إلاّ لقاءً أوّلا... وهذا يعني أنّ لقاءات أخرى ستقع لاحقا هذا إذا ما لم يقع ما يعدمها وهذا متوقّع جدّا في ظلّ الازمة السّائدة وخصوصا الأزمة السياسيّة. وبالتالي ليس من اليسير أن تتمّ هذه الخطّة وان يقع تنفيذها. زيادة على ذلك، يبدو وأنّ ما قام به رئيس الحكومة اليوم يندرج ضمن "حوار اقتصادي واجتماعي" غير معلن، وهذا طبعا سيفرض وقتا طويلا عن تحقّق فعلا هذا الحـوار الذي انطلق تحت عنوان "خطّـة الإصلاح الاقتصادي".

         لكنّ الحقيقة هي غير كلّ ذلك، فرئيس الحكومة لم يعد أمامه متّسع من الوقت خصوصا بعد أن انقضى أكثر من شهرين عن الاتفاق الذي وقع بينه وبين بعثة خبراء صندوق النّقد الدولي في 8 جانفي 2021 والتزم خلاله الطّرف التونسي بتنفيذ جملة من الإصلاحات الاقتصادية الهيكليّة التي ما فتأ الصّندوق يذكّر بها الحكومات التونسية المتتالية والتي أدّى عدم تنفيذها أو التأخّر في تنفيذ بعضها إلى إثارة غضب إدارة تلك المؤسسة المالية، وإذا غضب هذا البنك عن "شريكه الاستراتيجي" فالنتيجة ستكون مأسويّة إلى حدّ لا يمكن التكهّن به.  

   أخيرا: لا ينتظر الشّعب الكادح في تونس من هذه الحكومة ولا من غيرها من حكومات الرّجعيّة أيّ إنجازات أو إصلاحات اقتصاديّة، لأنّها حتّى وإن حصلت فهي لن تغيّر من الأوضاع الاجتماعيّة لهذه الطّبقات الكادحة بل إنّها في صورة حصولها ستقوم على كاهل هذه الطّبقات لتستفيد منها بقيّة الطّبقات التي تكدّس الأرباح من عرق الكادحات والكادحين وهذا ما كان يحصل لمّا كانت نسبة النمو الاقتصادي عالية منذ عهد بورقيبة.  

   إنّ الحكومات الرّجعيّة، الممثّلة للطّبقات المالكة لوسائل الإنتاج والحامية لمصالحها ولمصالح القوى الرّجعية الخارجيّة نظرا لعلاقة الولاء التي تربط تلك الحكومات بتلك القوى، لا يمكنها أن تقدّم إنجازات للطّبقات الكادحة بما أنّها ملتزمة بتحقيق مصالح الطّبقات التي تمثّلها في الدّاخل وفي الخارج.

   لذلك، ومن خلال ما تقدّم تعداده، فإنّ خطّة الإصلاح الاقتصادي التي أعلن عن تدشينها المشيشي اليوم لا تهدف إلى إنقاذ الاقتصاد الذي تستفيد منه أوسع الطبقات الاجتماعيّة وإنّما إنقاذ اقتصاد الطبقات المستغِلّة والمضطهِدة أو بالأحرى اقتصاد الدّولة في مفهومها الطّبقي، لأنّه عبر خطّة الإصلاح التي مازالت في خطوتها الاولى يعتقد أنّه سيتمكّن من إنقاذ حكومته ومنصبه من السّقوط بعد أن نفذت منه الوسائل الأخرى ولم تزد موقعه في موازين القوى إلاّ تراجعا وضعفا رغم الإسناد السياسي الذي يحظى به على الأقلّ في المرحلة الرّاهنة من قبل من أغووه واستدرجوه إلى خندقهم. لكنّ رئيس الحكومة، مثلما نسي او تناسى تصريحاته حول اولويّات حكومته منذ كان بصدد تشكيلها، يبدو أنّه نسي أو يتناسى عن لم يكن يجهل الطّبيعة المخــــاتلة لمن استدرجوه إلى خندقهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق