الرّفيق محمّد الصيّاحيإنّ أشرس المعارك وأعقدها ليست تلك التي، على أهميتها، يقع خوضها مع الأعداء الواضحين وإنّما تلك التي تخاض مع أطراف تلحّفت برداء الصديق والحليف فثقل على العامة إدراك جوهرها وكنه حقيقتها لصعوبة الولوج إلى أغوارها ومعرفة أسرارها مادامت تشتغل بشعارات الصدق والحقيقة والتقدمية وما شابه حتّى تجعل المسائل والأمور أكثر التباسا وغموضا بعد انكشاف الأعداء واستنفادهم إمكانيّة ادّعاء ذلك. لأجل ذلك أطلق على هذه الفئة /الشريحة القوة الاحتياطية للرجعية .إنّ الذين ينحدرون إلى درك الإصلاحية والانتهازية ويقصرون "كفاحهم" على وسائل وأسلحة الأعداء رغم عدم تملّكهم للأساسي منها، إنّما يعمدون عنوة إلى رفع الشعارات البراقة قولا/شكلا وإنكارها ممارسة/مضمونا حتى يصيبوا عصفورين بحجر واحد. إنّهم من جهة يزايدون على الرجعية حين يقدّمون أنفسهم بديلا لها بدعوى انفضاح أمرها وانتهاء صلوحيتها وأيضا كونهم خدما لها باعتبارهم الأقدر على تأمين استمرار مصالحها وامتيازاتها بصيغ أخرى أكثر تطابقا وملاءمة لمقتضيات الحال.
وهم من جهة ثانية يزايدون على الثوريين، فيطرحون أنفسهم إلى عامّة الناس البديل الوحيد الممكن، دون سواه، مرتكزين إلى محدودية الوعي الذي عليه أغلب الجماهير، مصرّين على أنّهم الأقرب إلى تجسيد مطالبها، بدعوى واقعية طروحاتهم، وإمكانية تحقيقها في المدى القريب على عكس غيرهم من "الحالمين الرافضين والعدميين المتكلسين ذوي الجمود العقائدي". وبذلك يجذبون إليهم، في حال ضعف الثوريين، قطاعا هاما من النّاس إليهم وينشأ عند البعض الكثير من التردد وفقدان الجرأة في الحسم .
إنّهم ثوريون هنا، انبطاحيون هناك، زئبقيون في النهاية يعملون لفائدتهم ولصالح الرجعيين أسيادهم وعلى حساب من يضلّلونهم ويغرقونهم في الوهم والتّيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق