بقلم فاروق الصيّاحي
كم مرّة قتلوا الشهيد.. كم ؟
مرّة، حين دعاه الزّمامُ أن ينامْ
وثانية، حين سألوا "من قَتَــــــلَهْ ؟"
وكان المسؤول هو القاتل...
وظلّ نفسُ اللّسان يعجنُ نفس الكلامِ
على مرّ الأعوام
محتار أنا في الأمــــــر
هل كان السّائل يتجاهل
أم أنّه حقّا جـاهل ؟؟
قتلوه ثالثة،
حين صدّقوا شيخا في التّسعين
شيخ وعد.. أن يعرّي الحقيقة
ويأتيهم بالقتلــَة !
فأحسنوا معه الفعلَ
وأحسنوا فيه القولَ:
"إنّه لا يرضع اصبعه" !!!
ولم يكن فعلاً طفلاَ،
بل شيخا "دبّيــــــرا"
يراود صبيّا يبحث عن طعام
حول موائد اللّئام !!!
لكنّ الشّيخ بعد أن دبّر أمره
حكم بأمره مع القتلة
ثمّ رحلَ..
تاركا صبيّا يعضّ اصبعه
من فرط ما حصلَ..
فلا هو على فتات حصل
ولا الشّهيد عرف قاتله
بعد أن دَبَرَ الشّيخ التسعينيّ تاركا
صبية أمام المسرح يصرخون
ينتظرون ويكرّرون نفس السّؤال
حتّى إذا ملّوا..
التفت بعضهم إلى بعض وسألَ :
أين سنسكر يا رفيق هذه اللّيلة ؟
***
كم مرّة قتلوك ؟
كمْ ؟
كانت المرّة الأولى..
يوم قالوا لك "نمْ !"
يوم كان الغضب يزحف خلف نعشك
يكتوي بصقيع الشّتاء وأوحاله
يوم كان القلب يعتصره الألم
صارخا في وجه الإرهاب الأسود
اِرْحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلْ من أرضنــــــا
من بحرنا ومن عيون أطفالنا الدّامعة
كنّا نهتف أ لا فلتقُـــمْ !
ها هي السّماء تُمطرُ رفضا للموت
والأرض التي عدت إلى بطنها تعترض
والعيون استحال دمعها دمًا..
يومها سلّمك رفيقك للقاتل
كي يغمد خنجره في قلبك وينام
فوق قبرك مطمئنّا هانئا طليقا
لا يؤرقه خوف ولا ذنب ولا ندم
***
قتلوك
يوم تركوك وحيدا في ليلك
تفتّش في قاموس التّأبين عن عبارة "نم"
تبحث في معاجم العرب عن لفظ
يرادفها أو حتّى يشبهما ولو قليلا
قضّيت ليلتك الأولى على قلق،
انبأني بذلك الفجر .. لكنّك لم..
تعثر لها لا عن بنت خال ولا عن بنت عمْ
أنا أيضا كنت مثلك، وآلاف مثلنا أتعبنا التنقيب
لأنّنا فقط نعرف أنّ الماء لا يعوّضُ الدّمْ
فلا تنمْ إنّ الحلمَ غدَا يكبر
ثمّ صار أكبر
وغدًا يصبحُ أكبر
يلتفّ حول أعناق القتلة
ويعانق السّحاب والقممْ..
------------------------------
تونس، 5 فيفري 2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق