مــــا العمـــل ؟
تلفظ الشّعوب الدّيمقراطيّة اللّيبراليّة من خلال مقاطعتها للانتخابات سواءً التشريعيّة/البرلمانيّة أو الرّئاسيّة. ففي يوم واحد، الأحد 19 جوان 2022، قاطع أكثر من 54% من النّاخبين في كولمبيا عمليّة التّصويت خلال الدّور الثّاني من الانتخابات الرّئاسيّة وفي فرنسا قاطع 54% أيضا من النّاخبين الصّناديق في الدّور الثاني من الانتخابات التّشريعيّة. وهذا يدلّ أنّ الديمقراطية الشّكليّة قد تقادمت وأصبحت غير قادرة على مواكبة تحوّلات العصر وتطلّعات الشعوب وهي بالتّالي تتّجه نحو لفظ أنفاسها بما أنّ الشعوب اكتشفت أنّها لا يمكنها ان تغيّر لها واقعها الاقتصادي والاجتماعي.
وفي تونس، مُنيت الدّيمقراطيّة التي أتى بها الانتقال الدّيمقراطي بهزائم متتالية ليس فقط عبر ما أنتجته صناديق الاقتراع من "كوارث" سياسيّة لم تنتج سوى الأزمات والمآسي في إطار العشريّة السّوداء، وإنّما أيضا من خلال نسبة مقاطعة الانتخابات في مختلف المحطّات من 2011 إلى 2014 و2019. فالأمر لا يختلف في تونس عن فرنسا وعن كولمبيا وعن عديد البلدان الأخرى مثل لبنان التي لم تتجاوز فيها نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة 42% والعراق كذلك لم تتجاوز 41%.
وبما أنّ هبّة 25 جويلية قد وجّهت ضربة لما أنتجه الانتقال الدّيمقراطي من خراب سياسيّ وفتحت الأمل أمام قبر تلك المنتوجات وتعويضها بمنتوجات جديدة ومن أهمّها إنتاج دستور جديد لتونس الجديدة، فإنّ هذا الدّستور يجب أن يرتقي إلى تطلّعات الشّعب في ديمقراطية جديدة تُبنى على أسس تقطع مع أسس ديمقراطية عشرية الخراب بدْءا بتغيير النظام الانتخابي وبإعطاء أولويّة للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة بالتّنصيص عليها في هذا الدّستور وبتوفير آليات وشروط تحقيقها وتطبيقها على أرض الواقع ممّا يمكّن فعلا من تغيير الواقع الاقتصادي والاجتماعي لفائدة الطّبقات الكادحة التي طالما قدّمت التّضحيات من أجل بناء تونس الجديدة، وطالما انتفضت وروّى شهداؤها الأرض بدمائهم من أجل بناء تونس السيادة الوطنية والدّيمقراطية الشعبيّة والعدالة الاجتماعية، وإن لم يقدر جدودنا الذين قاوموا الاستعمار المباشر على عيش ما كافحوا من اجله بسبب الانقلاب على كفاحهم من خلال عقد اتّفاقيات الاستقلال الزّائف وسياسات التّهميش الجهوي والتفقير والاستغلال الاقتصادي والاجتماعي للطّبقات الشّعبيّة الكادحة، فإنّ احلامهم تلك مازالت قائمة ومشروعة وهي ستتحقّق مع أحفادهم يوما ما.
إنّ تونس الجديدة التي كافحت أجيال بعد أجيال من أجل بنائها ممكنة، وهي لن ترضى بأقلّ من ديمقراطيّة جديدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق