الاثنين، 18 يوليو 2022

نائلة السليني: تونسية تتنتظر الإمام على باب جهنم .( سبع ملاحظات ) .

 بقلم فريد العليبي

   أنا لا أعرف نائلة السليني ولا أتابع ما تكتب، ولكن وصلتني سابقا بعض أصداء مناظرة بينها وبين راشد الغنوشي وقليل من ردودها على كتاب لهالة الوردي. وبدا لي أنها ناقدة للإسلام السياسي وموضوعاته الأيديولوجية وهذا ما اتفق فيه معها ومع كثيرين غيرها، البارحة وصلني من صديق نص لها عن مشروع الدستور الجديد فقرأته وكانت الملاحظات التالية :

1 ــــ تذكّر السيدة السليني أصدقاءها أنها جامعية أمضت ربع قرن تلقي محاضرات على طلبتها، لم تذق خلاله عذابا مثل الذي ذاقته هذه الأيام مع أصدقائها، لكنه عذاب عذب، حلاوته ممتزجة بمرارة، مؤكدة أنها تخوض تجربة وجودية قاعدتها العلم. مخاطبة إياهم باعتبارهم بسطاء لذلك يتوجب عليها اختيار كلمات بسيطة للوصول إلى عقولهم وقلوبهم ثم تعلن فرحها فقد أدركت غايتها وكانت الرجّة التي هزّت أفكارهم. ثم تزيد القيمة قيمة فما كتبته درر يجب ترجمتها إلى لغات أخرى، وهذا ما طلبه منها أصدقاؤها وليست هي من فكّرت فيه.

   ووجدت في ذلك استعلاءً يذكّر بذلك التقابل بين " الخاصة و"العامة فهي تفكر لأصدقائها ولا تفكّر معهم وكان القصد من التذكير بصفاتها وتجاربها وفتوحاتها الإبهار المؤدّي إلى انقياد المريد إلى شيخه أو شيخته.

2 ـــ تقول السليني أنّها عاشقة للغة للعربية منافحة عنها، ناقدة قيس سعيد الذي لا يتقنها ولكنها تكتب: اليوم نفتح الصياغة في الفصل الخامس. ولا يبدو أن ذلك دليل عشقها ثم سرعان ما تعود إلى الإبهار إيّـاه قائلة انها من أهل الاختصاص بما قد يفهم منه أنتم أيها العوام يا من لا اختصاص لكم.. خذوا الحقيقة من عندنا.. أمّا سعيد فعباراته هزيلة سمجة ووقتها يصبح الاستعلاء مزدوجا، استعلاء تجاه العامة/الشعب واستعلاء تجاه الرئيس الذي فيه تتجسد السلطة السياسية لتجلس هي فوق قمة جبل الأولمب تفكر وأصدقاؤها في السفح يهلّلون، أمّا الرئيس فإنه يحسدها فهو الذي أخفق في تحصيل شهادة الدكتورا ولم يكتب كتابا في حياته، والسليني تكرّر باستعلائها ذاك استعلاء بعض الجامعيين الذين أخفقوا في السياسة فتحصنوا بالنخبوية العلموية تجاه الرئيس وكأن الرؤساء ينبغي أن يكونوا دكاترة وأهل اختصاص وهم الذين دبج بعضهم المقالات في مديح بن علي مناشدين إياه حكم الشعب إلى الأبد ولم يقولوا مرة واحدة أنّه لا يملك حتى شهادة باكالوريا .

3 ــتستدعي السليني الجاحظ ليقاتل قيس سعيد معها متقمصة دور الأستاذة التي تصحح اختبار طالب فاشل اسمه قيس سعيد فكيف يستعمل عبارات مثل في ظل نظام ؟؟؟ لو كان الجاحظ موجودا لخرّ صريعا وأسقط بين يديه وضرب قيس سعيد على قفاه. ولكن السيدة السليني لو قرأت الدساتير والقوانين لوجدت تلك العبارات شائعة فهي لا تتقيد بغير ما هو حقوقي ولا أعلم ما إن كانت قرأت المدونات الفقهية فلو فعلت لصاحت أنّها ضعيفة التركيب هزيلة سمجة هي تعتقد أنّ حكم قاض في محكمة يجب أن يكتب بعبارات الجاحظ وإلّا فإنّها كارثة، فعبارات فقه القانون التي استعملها ابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد مثلا هي غيرها التي كتب بها الجاحظ رسالة القول في البغال أدبا .

   وهذا المدخل في النقاش عديم النفع وهو نابع فقط من تأكيد تميزها في علاقة بما قالت انه اختصاصها ولو قرأت نصوص الفلاسفة مثلا لصاحت كيف يكتبون بعبارات كهذه...هزيلة سمجة.. فالسيدة السليني تحمل سرير بروكوست في رأسها ومن لم تتناسب عباراته وإيّاه قطعت جسده ليكون كذلك.

4 ـــ يصل استعلاء السليني درجته العليا عندما تتحدث عن العرب باعتبارهم قطيعا، يتهدّد التونسيين خطر الالتحاق بحضيرتهم، جرّاء ما يفعله قيس سعيد الذي يخرّب أركان الحداثة التونسية حجرا بعد حجر.

5 ـ تماهي السليني بين راشد الغنوشي وقيس سعيد فهما وجهان لعملة واحدة فكلماتها وأفكارها فاقدة للصلة بالواقع وبينما يهدّد الغنوشي ويتوعد ويرتجف خوفا من سجنه الوشيك وضباطه مطاردين او في المنفى و السجون الخ وخاسر لسلطته البرلمانية التي كانت تؤهله في لحظة غفلة لحكم تونس بأكملها...لا ترى السليني من ذلك شيئا فقد حجب عنها غبار الأيديولوجيا الحداثوية ما كان عليها رؤيته فالغنوشي إمام وقيس سعيد كذلك والفرق أن الإمام قيس سعيد يقف على باب جهنم ويجب انتظاره هناك فقد يصلي الشعب نارا ذات لهب... دون حتى حمّالة حطب.

   تغمز السليني قرّاءها من زاوية الشهيدين بلعيد والبراهمي فحكم الإمام السابق الغنوشي أدّى إلى ذلك وحكم الإمام اللاحق سيؤدي إلى النتيجة ذاتها فقيس سعيد سيتحوّل إلى قاتل ... هي تعلم ولكنها لا ترى أنّ الغمام اللاحق هو من فتح ملفات اغتيال الشهيدين وسط ترحيب عائلتهما واللجنة المكلفة بالمتابعة وأنّ حزب البراهمي يقول نعم للاستفتاء وأغلب حزب شكري يقول الأمر نفسه بما فيه نائبه البرلماني الوحيد.

6 ــــ مشكلة السيدة السليني أنّها لا تحقق الوصل بين معركة الدستور ومعركة تحرير الوطن التي أشار إليها مرارا قيس سعيد فالأولى جزء والثانية كلّ، ولو فعلت ذلك لفهمت ما لم تفهمه ولانتبهت إلى أنّ الرجل يحقق لها وللشعب ما يريد من تصفية الحساب مع الإسلام السياسي ورعاته بخطوات متلاحقة حتى الآن، فحلّ البرلمان وإقالة حكومة المشيشي وحل تلك الهيئات وملاحقة الإرهابيين والفاسدين يغيب كله وتحضر فقط معركة الدستور ووقتها تصبح السليني ديمقراطية والغنوشي أيضا ويغيب الكل ونعني تحرير الوطن .

7ــــ تنهي السليني نصها بتعاويذ دينية فالحداثوية العربية والتونسية كجزء منها كسيحة في الأخير فآفاقها مسدودة، إنّها تنتهي "جبرية " رغم كل الضجيج عن الحرية.. تقول السليني في ما يشبه الاستسلام لقضاء مبرم: لا أحد مخلد ....المؤمن الحق مصيره بيد خالق كريم والشعب له رب يحميه في استدارة بمائة وثمانين درجة... وتتلاشى بذلك الحرية التي زينت بها كلامها كما غبار...

   ونسجا على منوالها نقول لو كان المعتزلة حاضرين لأُسقط بين أيديهم وضربوا نائلة السليني بنعالهم ... هي التي لا أظنها تجهل أنّ الجاحظ كان منهم وأنّ فتنته ليست فقط في عباراته غير السمجة ... غير الهزيلة وانما أيضا في فكرته ومنهجه العقليين.

فريد العليبي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق