على خُطى ماكرون الذّي مازال مهووسا بالإرث الاستعماري الفرنسي، أصدرت السفارة الألمانية بتونس بيانا إثر عمليّة جربة الإرهابيّة عبّرت فيه عن التزام المانيا "بحماية الحياة اليهودية ومكافحة معاداة السامية"..
نفس هذه الطريق ونفس الحجج من أجل نفس الغايات التي تخفيها هذه التّصريحات: استغلال سقوط قتيليْن في عمليّة جربة لرفع شعار "الساميّة في خطر" وبالتالي الإعلان عن التجنّد للدّفاع عن السامية، لا لشيء إلاّ لانّهما يحملان الدّيانة اليهوديّة وقُتلا في تونس..
ولا يبدو أنّ الامر توقّف عند هذا الحدّ، فقد قفز مجرمو كيان الاحتلال الصهيوني بمجرّد سماعهم لخبر العمليّة ليرفعوا نفس الشّعار "اليهود في خطر" وادّعوا أنّ أحد القتيليْن إسرائيلي ولذا يجب حمايتهم. وطبعا لا تخفى أهداف الكيان من وراء ذلك، وهي مزيد الضّغط على الدّولة التونسيّة من أجل الرّضوخ لمشروع التّطبيع الذي تعمل الإمبرياليّة على تنفيذه وقد نجحت في تنفيذه مع عدد من الأنظمة.
بالمقابل، يرتكب الكيان الصّهيوني مجازرا رهيبة في فلسطين العربيّة فيقتل النّساء والأطفال والشيوخ إضافة إلى المقاومين الذين يدافعون عن وطنهم وشعبهم ولا يحرّك ذلك لحماة السامية ساكنا بل إنّهم إن نطقوا ردّدوا تلك الجملة "لإسرائيل الحقّ في الدّفاع عن نفسها من ضربات الإرهابيين".
ألمانيا والكيان، ومن قبلهما ماكرون، ومن خلال هذه التّصريحات التي تفوح منها رائحة الهيمنة الاستعمارية البغيظة المغطّاة بعناوين حماية اليهود والكفاح ضدّ معاداة السّامية يريدون إعادة البشريّة إلى مقولة قروسطيّة واهمة وهي صراع الأديان، ذلك العنوان الذي لا يختلف كثيرا عن "رسالة الرجّل الأبيض" كحجّة لممارسة الهيمنة على الشعوب والأمم المضطهدة وتأبيد تحكّم هذه القوى في العالم حتّى تبقى تحت عباءتها تنهب ثرواتها وتملي عليها سياساتها.
هذه العناوين ليست إلاّ ذرائع تريد من ورائها هذه القوى ممارسة ضغوطها على البلدان التي تقاوم الهيمنة الاستعمارية وتكافح من أجل فرض سيادة شعوبها على أوطانها ومن ضمن أشكال كفاحها تلك معاداتها للتطبيع مع الكيان الصّهيوني باعتباره عدوّا ليس فقط للشعب العربي وإنّما لكلّ شعوب الأرض لطابعه الاستعماري والعنصري. وتونس هي في صدارة تلك البلدان التي أعلنت رفضها لهذا التطبيع بكلّ أشكاله وهي تقاومه، لذلك وضعتها القوى الامبريالية والكيان الصهيوني في صدارة البلدان المُستهدفة، لكنّ ذلك لن ينطلي على شعوب وأمم خبرت تلك الأشكال والأساليب والممسالك التي تسرّب منها الاستعمار القديم والطّرق والوسائل التي بسط من خلالها الاستعمار الجديد هيمنته عليها، فمقاومة هذه الأشكال في كلّ الميادين لم تهدأْ ولا يمكنها أن تهدأَ ما دامت تلك التهديدات قائمة. وقد وجدت هذه القوى في الازمة التي تعيشها البلاد التونسيّة على المستوى المالي خاصّة سبيلا لتبثّ ضغوطها معتقدة أنّ السّلطة القائمة منذ 25 جويلية 2021، وبسبب هذه الضّائقة الماليّة، ستنحني لتلك الضّغوطات ولعمليّات الابتزاز، لكنّ حساباتها في كلّ مرّة تسقط في الوحل بما أنّ مسار 25 جويلية يستند إلى مبادئ انتفاضة 17 ديسمبر الشعبيّة وفي مقدّمتها مبدأ الحرية والكرامة الوطنية، ولذلك فإنّ هذا المسار ما فتأ يذكّر بمعركة التحرّر الوطني، أمّا قوى الهيمنة فقد نسيتْ أنّ تونس افتتحت مرحلة جديدة يتمّ فيها القضاء على العلاقات القديمة التي كرّست الخضوع والتبعيّة والتفريط في السيادة الوطنيّة.
لقد دقّت لحظة إطلاق سراح الوطن ولن يربح أولئك الماضون عكس عقارب الزّمن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق