الجمعة، 15 ديسمبر 2023

مــــــــــا العمــــــــــل ؟

 افتتاحيّة العدد 75 من طريق الثّـــورة

   تتعرّض تونس الجديدة، لهجمة تشنّها أطراف خارجيّة وأخرى داخليّة. وهي هجمة لا تتوقّف بمرور الأيّام، وتتّخذ أشكالا متنوّعة وتشمل ميادينا مختلفة.

   فعلى السّاحة الدّاخليّة، لا تدّخر الرّجعيّة، التي فقدت جزءًا من امتيازاتها، جهدا لتعطّل مسار الإصلاح والسيادة الوطنيّة. وتستعمل هذه الرّجعيّة، التي لم تتصوّر يوما انّها ستجد نفسها خارج دائرة الحكم، وسائلها المختلفة من إعلام ومال ونفوذ اقتصاديّ وعلاقات خارجيّة ومن خلال أعوانها

الذين زرعتهم في الإدارة وفي مختلف أسلاك الوظيفة وأجهزة الدّولة عبر عقود حكمها للبلاد. ورغم الضّربات التي وجّهها إليها الشّعب في انتفاضة 17 ديسمبر وفي هبّة 25 جويلية، فإنّها مازالت "تقاوم" وهي لن تتراجع عن ذلك، حتّى تستعيد سلطتها التي فقدتها كاملة. وإذ يخفت صوتها من حين إلى آخر، فإنّ ذلك لا يعدو أن يكون صمتا تكتيكيّا يفرضه عليها ميزان القوى، ذلك أنّها تلقّت عددا من الضّربات الموجعة بعد 25 جويلية 2021 لا فقط على مستوى السلطة السياسيّة وإنّما أيضا على المستوى المالي والاقتصادي من خلال الملاحقات القضائيّة التي طالت عددا من رموزها ومن رؤوس الأموال المتورّطين في عدد من القضايا مثل تبييض الأموال والفساد وغيرها ومن الجمعيات والمؤسسات المرتبطة بها والتي كانت توفّر لها الأموال المشبوهة. ويفسّر هذا الصّمت التكتيكي من جهة أخرى بانفضاض جزء كبير من الجماهير من حولها بعد افتضاح امرها بالرّغم من الجبهة التي شكّلتها الرّجعيّة الدّينيّة بالاشتراك مع عدد من الأطراف الانتهازيّة وبالرّغم من اللّجان والهيئات التي جرّتها خلفها لتدعمها في محنتها. لقد فقدت الرّجعيّة سلطتها السياسيّة وبعض امتيازاتها المالية والاقتصادية ولكن والاهم من ذلك شعبيتها التي اكتسبتها سابقا بالقوّة لا بالفعل بحكم الأساليب التي استعملتها لمّا كانت في موقع القوّة.

   لكنّ تكتيك الصّمت الذي فرضته هذه الظّروف لا يجب أن يلهي الشعب عن معركته ضدّ هذه القوى التي لن تستسلم، فهي قد تصمت طويلا لتستفيق يوما خصوصا وأنّ القوى الإقليمية والإمبريالية لن تتخلّى عن أعوانها مهما بلغ بهم الضّعف والوهن ولن تتأخّر في دعمهم كلّما دعت الضّرورة إلى ذلك لتنفيذ مخطّطاتها. وعلى الشعب وقواه الحيّة أن تتنادى اليوم إلى تنظيم قواها السياسية والشعبيّة في جبهة وطنيّة ديمقراطية حتّى تتمكّن من الذّود عن تونس الجديدة التي ننتظر ولادتها لأنّ الوقوف في موقع المتفرّج وتشتيت قوى الشعب لا يخدم إلاّ الرّجعيّة وقد يساعد على الإجهاز على هذا الجنين قبل أن يرى النّور.

   أمّا على المستوى الخارجي، فإنّ القوى الإمبرياليّة لا تترك حدثا أو تصريحا دون أن تحشر أنفها فيه. فتعابير حرب التحرير الوطني والسيادة الوطنية والكرامة وغيرها التي أصبحت متداولة من قبل رئيس الدّولة وتجد لها صدى في صفوف الشعب تستفزّ تلك القوى التي لا تتأخّر في شنّ حملات سياسيّة وإعلامية مستغلّة الظروف الاقتصادية والمالية للبلاد من أجل الضّغط على سلطاتها قصد القضاء على المسار التحريري في خطواته الأولى خاصّة في ظلّ الظروف العالمية المتحوّلة ومنها خسارة بعض القوى الاستعمارية لمجالات هيمنتها على مستعمراتها القديمة في القارّة الأفريقيّة وفي ظلّ صعود التكتّل الروسي-الصيني وبروز تناقضات ثانويّة على السّطح بين بعض الإمبرياليات، مثل الخلافات داخل الاتحاد الأوروبي بخصوص عدد من القضايا.

   إنّ القوى الإمبريالية لن ترضى بفقدان المزيد من مناطق نفوذها خصوصا تلك المناطق التي تنفتح عليها جغرافيا بشكل مباشر، ولكن لا تهديداتها ولا حصارها ولا ضغوطها قادرة على إجبار الشعب على الرّجوع إلى الوراء وهو مستعدّ للتضحية من أجل استكمال سيادته على وطنه وثرواته وقراره وقد فتح أمامه مسار 17 ديسمبر-25 جويلية الباب على مصراعيه ليبرهن عن تمسّكه بكرامته الوطنية وما ينقصه إلاّ الانخراط في جبهة وطنيّة تحمل برنامجا ديمقراطيّا شعبيّا والمضيّ في هذا الطّريق حتّى تنتصر جبهة الشعب والوطن وتُقبر جبهة أعدائه الإمبرياليين والرّجعيين.   

----------------------------------------------------------------------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق