الأربعاء، 30 أبريل 2025

الهجوم الإمبريالي على الوطن ومهمّة الثّوريين ‏


   تبدو أوروبا الإمبريالية منشغلة هذه الأيّام بالأحكام القضائية التي أصدرتها محكمة تونسيّة مؤخّرا في حقّ عدد من المتّهمين في قضيّة التّآمر على الشعب وعلى الوطن. فقد جاء على لسان وزارة الخارجية الفرنسية يوم 23 أفريل 2025: "علمنا بقلق بالأحكام الثقيلة بحق عدة أفراد متهمين بالتآمر ضد أمن الدولة، من بينهم رعايا فرنسيون"، وأضافت الوزارة: "يؤسفنا عدم توفّر ظروف المحاكمة العادلة"، ثمّ لحقتها من الغدِ ألمانيا التي اعتبرت خارجيتها المحاكمة غير "عادلة"، معربة عن تلقّيها "بقلق أحكام السجن الثقيلة"، مضيفة أنّ "الطريقة التي تمّت بها المحاكمة لا تحترم حقوق المتهمين في محاكمة عادلة ومستقلة"، معبّرة عن أسفها "لاستبعاد المراقبين الدوليين، بما في ذلك السفارة الألمانية في تونس في اليوم الاخير من المحاكمة".

   إنّ هذه الإمبريالية لا يهمّها أن يكون في تونس لا شعبٌ حرٌّ يتدبّر مصيره بيده ولا وطنٌ مستقلّ بما أنّ الأمر خارج حدودها، بل إنّها تعتبر ذلك الشعب مجرّد أنفار ينتجون ما تحتاجه تلك القوى العظمى من مواد هي في حاجة إليها وكذلك مجرّد مستهلكين لما تنتجه شركاتها الكبرى، كما أنّها تعتبر ذلك الوطن مجرّد رقعة ترابيّة كانت تمثّل امتدادها الجغرا-سياسي لإمبراطوريتها الممتدّة وراء البحار خلال الاستعمار المباشر وحلمها أن تظلّ تلك الرّقعة منطقة من مناطق نفوذها في مرحلة الاستعمار الجديد. لذلك، فإنّ هذه القوى تعتبر هذا الشعب من عبيدها وهذا الوطن من أسواقها وعليها أن تسهر على حماية من يحافظ على هذه العلاقات العبودية والاستعمارية ممّن ينتمون إلى الطبقات التي تلتقي مصالحها معها. ولذلك، وفي النّاحية المقابلة، لا يتخلّف ممثّلو هذه الطّبقات في البحث عن شتّى الطّرق للحفاظ على هذه العلاقات والمصالح المشتركة حتّى إذا ما تهدّدت هذه المصالح عمدوا إلى المؤامرات من أجل العودة السّريعة إلى الحكم مستغلّين نفوذهم الذي زرعوه داخل أجهزة الدّولة منذ عقود حتى إذا ما انكشفت مؤامراتهم تعالى صراخهم وصراخ أسيادهم الذين تربطهم بهم تلك المصالح المشتركة فيروْن العدالة غير عادلة والحريات مقيّدة والديمقراطية مداسة والحقوق ممنوعة.. وسرعان ما يلتحق بهم الانتهازيون الذين لا همّ لهم سوى البكاء على الديمقراطية والحريات البرجوازية بينما لا يحرّك لهم انتهاك حرية الوطن وسيادته ساكنا ولا يصرخون لانتهاك كرامة الشعب وسيادته من قبل تلك القوى الإمبريالية.

   إنّ الديمقراطية التي يتباكى عليها الإمبرياليون الفرنسيون والألمان والرجعيون والانتهازيون في تونس في كلّ مناسبة وبغير مناسبات هي ديمقراطية البرجوازية العميلة (الكمبرادور)، وهي ديمقراطية لا مصلحة للطبقات الشعبية فيها ولا تنفع الوطن في شيء حيث تسمح للطبقات المضطهِدة باضطهاد جموع الكادحين وتقدّم الوطن هديّة للقوى الاستعمارية لمواصلة هيمنتها عليه. وانطلاقا من هذا التناقض الواضح بين تلك القوى الإمبريالية ووكلائها الرجعيين من جهة والطبقات الشعبيّة من الجهة المقابلة، فإنّ تلك الديمقراطية التي يصرخون من أجلها لا مصلحة للشعب وللوطن فيها.

   هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإنّ الديمقراطية التي ينشدها الشعب، هي ديمقراطية الطبقات الكادحة ولا تختزل في الحريات السياسية والفردية او ما يمكن تسميتها بحريات الرفاهة البرجوازية وإنّما هي تقوم أساسا على التوزيع العادل للثروة بين طبقات الشعب الكادحة وفي مقدّمتها توزيع الأراضي على الفلاحين الفقراء الذين يمثلون نسبة كبيرة من هذه الطبقات، وتوفير الشغل للمعطّلين عن العمل وتوفير الخدمات الاجتماعية اللائقة من صحة ونقل وتعليم وثقافة للجماهير الكادحة. إنّها ديمقراطية جديدة تختلف عن الديمقراطية القديمة أو ديمقراطية الطبقات المترفة من برجوازية كمبرادورية وإقطاع، وتسمّى هذه الديمقراطية الجديدة الديمقراطية الشعبية التي تمارس من خلالها الطبقات الكادحة دكتاتوريتها/سلطتها على الطبقة البرجوازية الكبيرة وكبار ملاّك الاراضي. لكن هذه الديمقراطية الجديدة/الشعبية لا يمكنها أن تتحقّق إلاّ في وطن متحرّر من نير الاستعمار بشكليه الجديد والقديم، وطن مستقلّ فعليّا عن تلك القوى.

   إنّ مهمّة القوى الوطنية والثوريّة اليوم، في ظلّ هذا التناقض، وأمام استمرار الهجمة الامبرياليّة وتصاعد أطماع الرّجعيّة، هي رصّ صفوف الطّبقات الشعبيّة في جبهة وطنية متّحدة ضدّ الجبهة الإمبرياليّة وعملائها الرجعيين وأن تكون القوى الثورية الحيّة في طليعة هذه الجبهة من أجل حلّ هذا التناقض لصالح الشعب والوطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق