اِنْتِفَاضَــةُ 17 دِيسَمْبَــرَ: الذِّكْرَى وَالدُّرُوسُ
أَوَّلًا: الذِّكْرَى وَمَكَانَتُهَا فِي تَارِيخِ تُونُسَتُحْيي تُونُسُ المُكَافِحَةُ الْيَوْمَ الذِّكْرَى الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ لِاِنْتِفَاضَةِ 17 دِيسَمْبَرَ 2010 الْمَجِيدَةِ، الَّتِي كَانَتْ وَاحِدَةً مِنْ بَيْنِ اِنْتِفَاضَاتٍ عَدِيدَةٍ فِي تَارِيخِ تُونُسَ الْمُعَاصِرِ، هَبَّ خِلَالَهَا الشَّعْبُ ضِدَّ الرَّجْعِيَّةِ الدُّسْتُورِيَّةِ الَّتِي حَكَمَتْهُ مُنْذُ سَنَةِ 1956 بِالْحَدِيدِ وَالنَّارِ وَالتَّفْقِيرِ وَالتَّجْوِيعِ وَالتَّرْهِيبِ، بِدَعْمٍ مِنَ الإِمْبِرْيَالِيَّةِ. وَقَدْ قَدَّمَ الشَّعْبُ فِي خِضَمِّهَا مِئَاتِ الشُّهَدَاءِ وَالْجَرْحَى، مُتَوِّجًا كِفَاحَهُ بِإِسْقَاطِ سُلْطَةِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ بْنِ عَلِيٍّ الرَّجْعِيَّةِ، بَعْدَ أَنْ دَوَّى فِي أَرْجَاءِ الْوَطَنِ شِعَارُهُ التَّارِيخِيُّ: «الشَّعْبُ يُرِيدُ إِسْقَاطَ النِّظَامِ».
ثَانِيًا: اِنْتِصَارٌ جُزْئِيٌّ
لَقَدْ مَثَّلَ ذَلِكَ اِنْتِصَارًا مُهِمًّا، لَكِنَّهُ ظَلَّ جُزْئِيًّا، إِذْ رَحَلَ بْنُ عَلِيٍّ بَيْنَمَا اسْتَمَرَّ النِّظَامُ الْعَمِيلُ، نَتِيجَةَ اِخْتِلَالِ مَوَازِينِ الْقُوَى بَيْنَ الشَّعْبِ وَالإِمْبِرْيَالِيَّةِ، الَّتِي نَجَحَتْ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ أَمَامَ تَحَوُّلِ الاِنْتِفَاضَةِ الشَّعْبِيَّةِ إِلَى ثَوْرَةٍ فِعْلِيَّةٍ، مُسْتَعْمِلَةً الرَّجْعِيَّةَ الدِّينِيَّةَ الَّتِي سُلِّمَتْ لَهَا مَقَالِيدُ السُّلْطَةِ ضِمْنَ تَحَالُفٍ معاد للشعب والوطن ضَمَّ، إِلَى جَانِبِهَا، الرَّجْعِيَّةَ الدُّسْتُورِيَّةَ الْمُعَادَ بِنَاؤُهَا، فَضْلًا عَنْ طَيْفٍ مِنَ اللِّيبِرَالِيِّينَ الْمُرْتَبِطِينَ بِمَرَاكِزَ إِمْبِرْيَالِيَّةٍ مُتَعَدِّدَةٍ.
ثَالِثًا: عَشْرِيَّةٌ سَوْدَاءُ وَانتفاضات مُتَوَاصِلَةٌ
وَمُجَدَّدًا رَمَّمَ النِّظَامُ صُفُوفَهُ، فَكَانَ قَهْرُ الشَّعْبِ وَمُعَاقَبَتُهُ عَلَى اِنْتِفَاضَتِهِ، فَتَفَاقَمَ اِسْتِغْلَالُ الْكَادِحِينَ، وَارْتَفَعَتِ الأَسْعَارُ، وَازْدَادَتْ نِسَبُ التَّضَخُّمِ وَالْبِطَالَةِ، وَاسْتَوْطَنَ الإِرْهَابُ التَّكْفِيرِيُّ الْجِبَالَ وَالأَحْيَاءَ السَّكَنِيَّةَ، وَتَمَّ تَسْفِيرُ الشَّبَابِ مِنَ الْجِنْسَيْنِ إِلَى بُؤَرِ الإِرْهَابِ التَّكْفِيرِيِّ عَبْرَ الْعَالَمِ. كَمَا اِنْحَطَّ الإِعْلَامُ وَالثَّقَافَةُ، وَتَعَمَّقَتْ أَزْمَةُ التَّعْلِيمِ، وَانْهَارَتِ الْمُؤَسَّسَاتُ الصِّحِّيَّةُ، وَفَقَدَ الدِّينَارُ جُزْءًا كَبِيرًا مِنْ قِيمَتِهِ، وَازْدَادَ حَجْمُ الدُّيُونِ الْخَارِجِيَّةِ، وَتَعَزَّزَ الْحُضُورُ الاِسْتِعْمَارِيُّ وَالْخُضُوعُ لِمُؤَسَّسَاتِ النَّهْبِ الإِمْبِرْيَالِيَّةِ. وَاسْتَفْحَلَتِ الأَزْمَةُ الَّتِي وَاجَهَهَا الشَّعْبُ بِالإِضْرَابَاتِ وَالاِنْتِفَاضَاتِ الْجُزْئِيَّةِ الْمُتَنَقِّلَةِ مِنْ جِهَةٍ إِلَى أُخْرَى، مُقَدِّمًا مَرَّةً أُخْرَى قَوَافِلَ مِنَ الشُّهَدَاءِ وَالْجَرْحَى.
رَابِعًا: 25 جُويِلِيَّةَ، مَكَاسِبُهَا وَنَقَائِصُهَا
وَكَانَ مِنْ نَتَائِجِ ذَلِكَ الْهَبَّةُ الْوَطَنِيَّةُ الْوَاسِعَةُ فِي 25 جُويِلِيَّةَ 2021، الَّتِي مَثَّلَتْ خُطْوَةً مُهِمَّةً قَطَعَهَا الشَّعْبُ فِي اتِّجَاهِ الْمُسْتَقْبَلِ، حَيْثُ تَمَّ وَضْعُ حَدٍّ لِحُكْمِ الْعَشْرِيَّةِ السَّوْدَاءِ سِيَاسِيًّا، وَتَصْفِيَةُ بَعْضِ جُيُوبِ الْفَسَادِ، وَعَدَمُ الْخُضُوعِ لِإِمْلَاءَاتِ صُنْدُوقِ النَّقْدِ الدُّوَلِيِّ مَالِيًّا وَاقْتِصَادِيًّا، وَالْحَدُّ مِنَ التَّدَخُّلِ الأَجْنَبِيِّ، وَحَلُّ بَعْضِ الْمُعْضِلَاتِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ، وَرَفْعُ شِعَارَاتِ السِّيَادَةِ الْوَطَنِيَّةِ، وَالتَّعْوِيلُ عَلَى الذَّاتِ، وَتَطْهِيرُ الإِدَارَةِ، وَتَشْغِيلُ الْمُعَطَّلِينَ عَنِ الْعَمَلِ، وَالثَّوْرَةُ الثَّقَافِيَّةُ، وَالثَّوْرَةُ التَّشْرِيعِيَّةُ، وَرَفْضُ التَّطْبِيعِ، وَالاِنْحِيَازُ إِلَى تَحْرِيرِ فِلَسْطِينَ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى النَّهْرِ.
غَيْرَ أَنَّ أَغْلَبَ هَذِهِ الشِّعَارَاتِ ظَلَّ دُونَ تَطْبِيقٍ، فِي ظِلِّ هَيْمَنَةِ حِزْبِ الْبِيرُوقْرَاطِيَّةِ الَّذِي سَيْطَرَ عَلَى أَجْهِزَةِ الدَّوْلَةِ، بِمَا فِي ذَلِكَ الْحُكُومَةُ، تَحْتَ غِطَاءِ الْمِهْنِيَّةِ وَالْحِيَادِ الزَّائِفَيْنِ. وَبَيْنَمَا تَقَلَّصَ حُضُورُ طَبَقَةِ الْمُلَّاكِينَ الْعِقَارِيِّينَ وَطَبَقَةِ الْبُرْجُوَازِيَّةِ الْكُمْبْرَادُورِيَّةِ، تَعَاظَمَ نُفُوذُ الْبُرْجُوَازِيَّةِ الْبِيرُوقْرَاطِيَّةِ الَّتِي أَفْرَغَتْ اِنْتِفَاضَةَ 17 دِيسَمْبَرَ وَهَبَّةَ 25 جُويِلِيَّةَ مِنَ الْعَدِيدِ مِنْ مَكَاسِبِهِمَا.
خامسا : لنسقط البيروقراطية !
وَجَرَّاءَ ذَلِكَ ظَلَّتِ الأَزْمَةُ، فِي جَوْهَرِهَا، عَلَى حَالِهَا، وَهِيَ تُهَدِّدُ الْيَوْمَ بِتَمْهِيدِ السَّبِيلِ وَفَتْحِ الْبَابِ أَمَامَ عَوْدَةِ الرَّجْعِيَّتَيْنِ الدُّسْتُورِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ إِلَى السُّلْطَةِ بِمُسَاعَدَةِ الإِمْبِرْيَالِيَّةِ، مِمَّا يَطْرَحُ عَلَى جَدْوَلِ أَعْمَالِ الشَّعْبِ مُهِمَّةَ إِسْقَاطِ الْبِيرُوقْرَاطِيَّةِ، ضِمْنَ الْكِفَاحِ الْعَامِّ ضِدَّ الإِمْبِرْيَالِيَّةِ وَوُكَلَائِهَا الْمَحَلِّيِّينَ، وَالسَّيْرِ فِي طَرِيقِ اِنْتِفَاضَةِ 17 دِيسَمْبَرَ وَهَبَّةِ 25 جُويِلِيَّةَ، تَحْقِيقًا لِمَطَالِبِ الشَّعْبِ فِي التَّحَرُّرِ الْوَطَنِيِّ وَالدِّيمُقْرَاطِيَّةِ الشَّعْبِيَّةِ.
حزب الكادحين .
تونس 17 ديسمبر 2025.
