الاثنين، 31 أغسطس 2020

مـــا العمـــل ؟ افتتاحية العدد 4

    تحتاج الشعوب والأمم المضطهدة في كفاحها إلى أدوات تنظيمية ثورية، منها الحزب الثوري و الجبهة المتحدة، التي تجمع سائر طبقاتها المضطهدة، كما يمكن إن تنشأ الائتلافات والتحالفات الواسعة واللقاءات الظرفية حول مهمات محدودة في المكان والزمان، فالثورات و خاصة في المستعمرات و أشباهها لا يمكن أن تكون من فعل طبقة واحدة وحزب واحد، مهما كانت درجة ثوريته.

   و في تاريخ كفاح الشعب في تونس قامت جبهات وتحالفات، غير أنها في معظمها كانت ذات طابع رجعى و إصلاحي، ومع انتفاضة الشعب الأخيرة طرحت على جدول أعمال النضال الثوري هذه المسألة بحدة، و سرعان ما نشأت بعض الجبهات، ولكنها تفككت سريعا مثل جبهة 14 جانفي، أو ظلت دون ممارسة سياسية تذكر مثل الجبهة الوطنية الديمقراطية الشعبية.

   وفي الآونة الأخيرة شكلت بعض القوى السياسية ائتلافا واسعا، أطلقت عليه اسم الجبهة الشعبية و قد تناولنا في عدد سابق من جريدة طريق الثورة أرضيتها السياسية بالنقاش، ويهمّنا هنا القيام بوقفة نقدية سريعة أخرى لكن تجاه بعض أنشطتها العملية هذه المرة.

  قامت الجبهة الشعبية بمسيرات في عدد من الجهات، وكونت تنسيقيات جهوية في بعض الولايات وعقدت الاجتماعات وأصدرت البيانات، وشكلت مجلسا لأمنائها العامين الذي اختار حمة الهمامى ناطقا رسميا باسمها، كما كونت كتلة نيابية داخل المجلس التأسيسي و في علاقة بذلك نلاحظ ما يلي :

أوّلا : ادعت الجبهة في عدد من بياناتها أنها الخيار الأوحد و الوحيد وقال الناطق الرسمي باسمها أنها جبهة للحكم، وهو ما يذكر بالخطب الانتخابية التي يبحث أصحابها عن التموقع في صلب المؤسسات السياسية للنظام القائم.

ثانيا : ربطت الجبهة بعض تحركاتها بتحركات نداء تونس مثل ما جرى يوم 22 أكتوبر 2012 عندما التحم الندائيون والجبهويون ببعضهم البعض للتنديد باغتيال أحد أعضاء نداء تونس في تطاوين ورفض العنف مهما كان مأتاه، وعندما رفع البعض شعار لا السبسي لا الجبالى ثورتنا ثورة زوالى تبرأ حمة الهمامى من هذا الشعار وهو ما ذكرته جريدة الشروق و لم يصدر أي تكذيب رسمي لذلك. و لا يخفي على هذا الصعيد أن هناك صراعا ضمن مكونات الجبهة بين من يريد التحالف مع المسار ونداء تونس والجمهوري على قاعدة المفاضلة بين الظلامية والحداثة، وبين من يرى أن التحالفات يجب أن ترتكز على قاعدة الكفـــاح ضد الامبريالية وعملائها بغض النظر عن الاختلافات الإيديولوجية .

ثالثا : كان لافتا اختفاء الجبهة تماما يوم 23 أكتوبر إذ لم تدعو إلى أي تحرك للاحتجاج على مواصلة الحكومة والمجلس التأسيسي ورئاسة الدولة العمل، والحال أن المدة القانونية الممنوحة لهذه المؤسسات قد انتهت، وهو ما عزز الرأي القائل أن للجبهة توافقاتها مع أركان السلطة القائمة، وهي ملتزمة بمبادرة حسين العباسي التي عبر عنها خلال مؤتمر حضره بعض رموز الجبهة ومن بينهم حمة الهمامى وشكري بلعيد، وقد ثمن منصف المرزوقى في خطابه حول الانتفاضة في سليانة هذا التوافق الذى تجلى يوم 23 أكتوبر و ذكر اتحاد الشغل بالاسم .

رابعا : شكلت الجبهة كتلة نيابية بقيادة أمين عام حركة الديمقراطيين الاشتراكيين في مجلس تأسيسي قال راشد الغنوشى نفسه إن صلاحيته تنتهي يوم 23 أكتوبر 2012 ، فهي عوضا عن الدعوة إلى رفع غطاء الشرعية عن ذلك المجلس ومغادرته نهائيا والاعتراف بخطأ بعض مكوناتها التي شاركت في انتخابات 23 أكتوبر 2011 تواصل التزامها بالمشاركة في أنشطته المثيرة لسخط و قرف أغلب طبقات الشعب . 

   إنّ هذا الذي ذكرناه لا ينفي بأي حال أن الجبهة قامت بدور ايجابي في حشد الطاقات واستنهاضها للنضال وأنّ من بين من انخرطوا في علاقة بها في الكفاح الثوري مصممون فعلا على الكفاح والنصر، غير أن هذه الوقفة النقدية السريعة وغيرها من الوقفات لا بد منها فالثورة تتطلب أيضا إطلاق يد النقد حتى يؤدى مهمته في تعديل البرامج و الممارسات . 

_______________________

طريق الثّــورة، ديسمبر 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق