السبت، 19 ديسمبر 2020

قانون 26 / 2012 (مرسوم 97 سابقا):‏ مسكّن للغضب


   آخر النصوص المتعلّقة بقضيّة شهداء الانتفاضة وجرحاحا، هي القانون عدد 26 لسنة 2012 المؤرّخ في 24 ديسمبر 2012 والصّادر إثر مداولة المجلس التأسيسي وموافقته عليه بتاريخ 19 ديسمبر 2012. وهو القانون الذي تمّت صياغته مؤخّرا لينقّح المرسوم عدد 97 المؤرّخ في 24 أكتوبر 2011، فبماذا أتى هذا القانـون ؟

   الجديد الذي أتى به هذا القانون يتعلّق أساسا بالجانب التقني، من ذلك تعديل عنوان المرسوم المذكور من "ثورة 14 جانفي" إلى "ثورة الحريّة والكرامة 17 ديسمبر 2010- 14 جانفي 2011" وكذلك تحديد الفترة الزّمنيّة لمن يهمّهم هذا القانون من الشهداء والجرحى وهي الفترة الممتدّة بين 17 ديسمبر 2010 و28 فيفري 2011، وأيضا تحديد المعنيين بـ"شهداء الثورة ومصابيها" وهم - حسب الفصل السادس من هذا القانون- "الأشخاص الذين خاطروا وضحّوا بحياتهم من أجل تحقيق الثورة ونجاحها واستشهدوا أو أصيبوا بسقوط بدني من جرّاء ذلك" وأخيرا وليس آخرا تحديد نسبة السقوط البدني بـ6% لمن سينتفعون بهذا القانون. وبالإضافة إلى هذه التحديدات، فقد أمر هذا القانون بتشكيل "لجنة شهداء الثورة ومصابيها" التي ستتكفّل بإعداد قائمة نهائيّة لهؤلاء الضّحايا وفق المقاييس المذكورة، والغاية من وراء كلّ ذلك هو تمكين عائلات الشهداء من جراية شهريّة ومنح المصابين بعض الخدمات المجانية كالعلاج والإقامة بالمستشفيات العمومية والتنقل.

   هذا هو جوهر القانون الجديد المكمّل لمرسوم قديم والذي أتى نتيجة الاعتصام الذي نفّذه أهالي الشهداء والجرحى أمام مقرّ المجلس التأسيسي. ويعاني هذا القانون من علل عديدة تتمثّل أوّلا في تناقض على مستوى الإطار التاريخي، إذ يحصر الحدّ الأقصى للانتفاضة في يوم 14 جانفي بينما يمدّد الفترة التي تخصّ الضحايا إلى 28 فيفري 2011. وثانيا في اللّجنة المزمع تكوينها وفي تركيبتها ومهمّتها، فتكوين لجنة جديدة فيه إقرار بفشل اللّجان السّابقة ومنها لجنة التأسيسي ووزارة حقوق الإنسان دون الحديث طبعا عن اللّجان غير الرّسميّة، أمّا تركيبة هذه اللّجنة ففيها دلالة واضحة على التفاف الحكومة الحالية على قضيّة الشهداء والجرحى إذ أنّها ستضمّ رئيسا معيّنا من قبل رئيس الحكومة و14 عضوا من بينهم 9 يمثّلون عددا من الوزارات ورئاسة الدّولة، وبخصوص القائمة النهائيّة للضّحايا فإنه سيتمّ الاعتماد في تحديدها على تقرير لجنة تقصّي الحقائق وهذا يطرح السؤال التالي: إذا كانت القائمة موجودة وعدد الضحايا معروفا بالأسماء والتواريخ والأمكنة، فما الجدوى إذا من كلّ هذا الجهد والعناء المبذولين من أجل تكوين هذه اللّجنة ؟

   لذلك، فإنّ كلّ هذا الجهد يتّجه نحو غاية دفينة هي محاولة جديدة لامتصاص سُخط عائلات الضّحايا وغضبها نتيجة استفحال معاناتهم المعنويّة أوّلا والماديّة ثانيا. فالمطلب الرئيسي لهؤلاء الضّحايا ولغيرهم ظلّ ولا يزال مرفوعا وهو معرفة القتلة ومحاسبتهم وهو ما لم يتحقّق إلى اليوم، بل إنّ المؤشرات المرتبطة بالمحاكمات التي تُعقد هنا وهناك تدلّ على أنّ هناك اتّجاها نحو قتل الضّحايا مرّة أخرى وإنقاذ القتلة –إن وجدوا- وهو المطلب الذي تهرّب القانون الجديد من إيلائه أيّ أهميّة، وربّما يندرج  ذلك ضمن نفس المسار الذي بدأ بنفي وجود قنّاصة مع السبسي وتواصل بنعت الشهداء والجرحى بالسّكارى ثمّ بالسّخرية منهم لأنّهم عرّضوا صدورهم للرّصاص مع الشيخ الغنوشي.

  غير أنّ هذه المحاولة الجديدة كسابقاتها لم تنجح في تحقيق غايتها بل إنّها أجّجت غضبا متزايدا وهو ما تجلّى في تواصل الاحتجاجات الشعبيّة في جهة القصرين وفي إثارة الاحتجاجات في منطقة الحوض المنجمي وخصوصا لدى أهالي الرديّف ردّا على إقصاء شهداء وجرحى انتفاضة 2008 فردّ هؤلاء بتنفيذ إضراب عامّ يوم 3 جانفي 2012 وهم لا يطالبون بالتعويضات وإنّما باعتبار قتلى انتفاضة الحوض المنجمي شهداء لا أكثر آملين أن ينصفهم التّاريخ إن تجاهلتهم الحكومات.

______________________

طريق الثورة، العدد 5، جانفي 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق