السبت، 19 ديسمبر 2020

شهداء الانتفــاضة وجرحــاها : أ بهذا يُكرمـــون ؟



   رغم أنّهم يطلقون عليها زيفا "الثورة السلميّة"، أحصت لجنة "تقصّي الحقائق" 338 شهيدا و2147 مصابا كحصيلة غير نهائية للأحداث التي دارت في تـونس بين 17 ديسمبر و 14 جانفي 2011.

   ولا زالت قضيّة شهداء الانتفاضة وجرحاها تشغل اهتمام التونسيين لا فقط عائلات الضّحايا وإنّما أيضا الرّأي العام السّياسي والشّعبي. ولا زالت هذه القضيّة، بعد مرور سنتين على اندلاع الانتفاضة، تراوح مكانها خصوصا على مستوى كشف القتلة ومحاسبتهم وهو المطلب الأوّل الذي تتشبّث به عائلات الشهداء والجرحى، يحصل كلّ هذا رغم كثرة من النّصوص القانونيّة التي صدرت في الغرض.

  فعديدة هي تلك المراسيم والأوامر والقرارات التي أصدرتها الحكومات المتعاقبة، ويمكن في هذا الإطار أن نذكر بعضها : قرار الوزير الأول المؤرّخ في 26 جانفي 2011، مرسوم عدد 40 المؤرّخ في 19 ماي 2011 المتعلّق بجبر الأضرار الناتجة عن الاضطرابات والتحركات الشعبية التي شهدتها البلاد، أمر عدد 79 مؤرّخ في 27 جوان 2011 متعلّق بضبط صيغ إجراءات وشروط تطبيق أحكام المرسوم عدد 40، مرسوم عدد 97 مؤرخ في 24 أكتوبر 2011 متعلّق بالتعويض لشهداء الانتفاضة ومصابيها، قرار رئيس الحكومة المؤرّخ في 7 جانفي 2012 يتعلّق بضبط المبلغ التكميلي للتعويضات لفائدة الشهداء والمصابين. فلا حكومات الغنوشي-السبسي أهملت القضيّة ولا حكومة الترويكا تجاهلتها. غير أنّ هذه الإجراءات القانونيّة الكثيرة ظلّت فقيرة نظرا لأنّها لم ترتق إلى مستوى تطلّعات الجرحى وعائلات الشهداء ومستوى آمال الشعب الذي ظلّ يرفع شعار الوفاء لدماء الشّهداء مطالبا بإنصاف من ضحّوا بدمائهم في سبيل الأرض و الحرية والشغل والكرامة الوطنية. بل إنّ حتّى بعض من تمّ تكليفهم بإعداد مشاريع بعض هذه النصوص اعترضوا على تلك النصوص بعد صدورها، من ذلك أنّ نور الدين حشّاد الذي كلّفته حكومة السبسي/المبزّع بإعداد مشروع مرسوم عدد 97 المذكور سابقا وجّه تقريرا إلى الرئيس المبزّع عبّر فيه عن اعتراضه على تغيير صيغة المرسوم مقدّما اقتراحات لتنقيح المرسوم.

 ولعلّ في كثرة النصوص وتعاقبها دلالة على مدى قصور هذه النصوص في معالجة مسألة الشهداء والجرحى. والى جانب هذا القصور النصّي، فإنّ ما جادت به المراسيم والأوامر والقرارات لم تجد طريقها إلى التطبيق على أرض الواقع. ولم تكتف الهياكل الرّسميّة بإصدار التشريعات، بل بعثت اللّجان والهيئات تلو الأخرى سواءا تلك المسمّاة مستقلّة على غرار لجنة تقصّي الحقائق أو في صلب المجلس التأسيسي وفي صلب الحكومة بل إنّ بعض الوزارات جعلت من هذه القضيّة أولى أولويّاتها (وزارة "حقوق الإنسان") مع أنّه غالبا ما يتمّ ربط قضية شهداء الانتفاضة وجرحاها بمسألة العفو التشريعي العام وذلك لغاية مبيّته من قبل هذه الوزارة والحكومة.

  كلّ هذه الجعجعة لم تخلّف طحينا وهذا ما تفسّره حالات الامتعاض والغضب التي تنتاب من بقي حيّا من الجرحى وكذلك من قبل عائلات الشهداء وهو ما دفع بهم إلى تنفيذ عديد التحرّكات الاحتجاجيّة على مدار السنتين المنقضيتين كان أشهرها ذلك الاعتصام الذي نفّذه عديد الجرحى والعائلات في وزارة "حقوق الإنسان" في أواخر شهر مارس 2012 بعد أن تمّ اقتحام بوّابتها من قبل المحتجّين وقبل ان يتمّ الاعتداء عليهم وإهانتهم من قبل قوّات الأمن وإخراجهم بالقوّة.

   أمّا عن الاعتصامات المحليّة والجهويّة فحدّث ولا حرج (اعتصام أهالي ضحايا القصرين داخل مقرّ الولاية، اعتصام أهالي ضحايا توزر أمام المحكمة العسكريّة بصفاقس أيّام عيد الإضحى، اعتصام أهالي ضحايا الرقاب بالقصبة...). وأمام انسداد الأفق أمام هذه العائلات توعّد عدد من أقارب الضّحايا بالأخذ بالثّأر من قتلة ذويهم من ذلك ما عبّر عنه مؤخّرا أحد أقارب شهداء وجرحى منزل بوزيّان في إحدى المحطّات التلفزيّة وذلك ردّا على ما يواكب سير جلسات القضاء العسكري الخاصّة بالنظر في قضايا الشهداء والجرحى، بما أنّ الجلسات تتالت والمحاكمات طالت فيما ظلّ المتّهمون مجهولين.

   وأمام تواصل معاناتهم الاجتماعيّة واستفحال أوضاعهم الصحيّة وتعرّضهم في كثير من الأحيان إلى الإهانة من قبل المسؤولين وفي المستشفيات وداخل مراكز الأمن وإيقاف بعضهم، اضطرّ عدد من الجرحى إلى الانتحار كطريق يحلّ به مجموع هذه المعضلات. فقد نجح جريح الانتفاضة حسن السعيدي في تنفيذ عمليّة الانتحار بتناوله كميّة كبيرة من الأدوية وذلك بسبب الاعتداء عليه من قبل رجال الأمن بما في ذلك الاغتصاب و هو ما صرح به شقيقه فالتحق بقائمة الشهداء، فيما فشلت عديد المحاولات الأخرى ولعلّ أكثرها شهرة وتعبيرا محاولة الانتحار شنقا التي أقدم عليها الشاب حمزة ميساوي في شهر جوان 2012 من على باب المجلس التأسيسي والمحاولات الثلاثة للانتحار التي أقدم عليها الشاب الجريح زياد قرّاوي.

_________________________

طريق الثّـورة، العدد 5، جانفي 2013

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق