الأحد، 17 يناير 2021

تحويـــر وزاري... و غضب شعبيّ

 

   بعد 4 أشهر ونصف من نيل الثقة في البرلمان يعلن رئيس الحكومة قيامه بتحوير وزاريّ أوّل على تشكيلة ‏حكومته. هذا التحوير يشمل كما أعلن عنه مساء يوم السبت 16 جانفي 11 وزيرا.‏

   خلال إطلالته التلفزيونيّة القصيرة التي أعلن فيها قائمة وزرائه الجدد، صرّح ‏رئيس الحكومة بأنّ هذا التّحوير سيدشّن به حزمة من الإصلاحات الاقتصاديّة. ‏للتّذكير،

فإنّ رئيس الحكومة كان قد صمّ آذاننا منذ تمّ تكليفه بتشكيل حكومته ‏بحديثه عن الإصلاحات الاقتصادية وعن أولوية الميدانين الاقتصادي ‏والاجتماعي... مرّ كلّ هذا الوقت واختفت تلك العبارات ولم يحصل على الميدان ‏أيّ تطبيق لتلك العبارات، فقد كانت مجرّد وعود تبخّرت مع نيله المصادقة. ‏واليوم إذ يذكّرنا بتلك العبارات، فهذا يعني انّه كان يملك رصيدا احتياطيا من ‏الوزراء من ذوي الكفاءات العالية والخارقة التي ادّخرها لهذه الأيّام الصّعبة، ‏ولا ننسى أنّ من بين هذه الكفاءات وزير للفلاحة كان قد أنجز الكثير في حكومة ‏الفخفاخ ولذلك ارتأى المشيشي أن يعوّل عليه من جديد لما فيه خير الفلاحة ‏والفلاّحين في تونس.‏

المشيشي يعمل بالمثل التونسي القائل "المليـــح يبطـــى"

   لم يمر إعلان التحوير الحكومي دون ردود فعل، وقد انطلقت هذه المرّة من الأحياء الشّعبيّة المفقّرة التي تعجّ بجماهير المعطّلين عن العمل والكادحين الذين لم تغيّر "الإصلاحات المشيشيّة" من أوضاعهم شيئا بل زادت في تدهورها بسبب استشراء الفساد وتأزّم الأوضاع الاقتصاديّة- الاجتماعيّة والماليّة والصحّيّة -ولا يعني هنا تزامن الحدثين أنّ أحدهما تسبّب في الآخر بشكل مباشر-. فبعد سويعات قليلة من ذلك الإعلان اندلعت المواجهات في عدد من الجهات بين هؤلاء المسحوقين وبين قوّات الأمن رغم الحجر الشّامل وحظر الجولان وقد هاجمت جموع المحتجّين على سياسة التفقير والتجويع الفروع البنكيّة والمغازات الكُبرى والمؤسسات التي تتكدّس فيها الثروة التي حُرموا منها. ولا تتردّد وسائل الإعلام والسلطات في ترديد النّعوت والاوصاف التي دأب النّظام الرّجعي منذ أكثر من نصف قرن على إطلاقها على شاكلة "اللّصوص" و"السرّاق" و"أعمال الشّغب" و"الفوضى".. والتمييز بين "احتجاجات النّهار" و"احتجاجات اللّيل" من أجل تشويه هذه الاحتجاجات والقائمين بها وتجريمهم، والحال أنّ كبار اللّصوص والفاسدين هم من يدعمون هذا التّشويه دعما ماليّا وسياسيّا وإعلاميّا.

   هذه الاحتجاجات انطلقت، في حقيقة الأمر" قبل إعلان التحوير الحكومي بأيّام قليلة في جهة المنستير بعد حادثة إطلاق النّار من قبل أعوان أمن في المكنين على سيّارة ممّا أدّى إلى مقتل شخص وإصابة آخر. وقبل يومين من هذا الإعلان انتقلت الاحتجاجات إلى كلّ من سوسة وسليانة والقصرين والقيروان، ثمّ اتّسعت دائرة الاحتجاجات في اللّيلة الأخيرة إلى بنزرت وعدّة مناطق في تونس الكبرى (حمام الأنف، حي التضامن، دوار هيشر، وادي الليل، طبربة...) وبوعرادة في سليانة والسبيخة في القيروان والمنستير مع تواصل الاحتجاجات في المناطق الأولى (سوسة، القيروان، القصرين وسليانة).

   هذه الاحتجاجات، بالرّغم من أنّ بعضها كانت وراءه أحداث معيّنة على غرار اعتداء البوليس على الكادح راعي الأغنام في سليانة، تقف وراءها حالة الغضب التي تسود الطبقات الشعبيّة المفقّرة من حالة البؤس الاجتماعي الذي تعانيه مقابل الإحباط والحقد الذي أصابها من اهتمام الحكّام بصراعاتهم الدّاخليّة والثانويّة بالنسبة إليهم (إقالات وزراء، اعتصامات داخل البرلمان، اتّهامات وتشويهات من أطراف إلى أطراف أخرى...) مقابل اللامبالاة التامّة من قبل السلطة تجاه القضايا الاقتصادية والاجتماعيّة حيث أصبحت، هذه السلطة، في حالة غيبوبة طويلة الأمد، زيادة على شعور هذه الجماهير بالغبن والإهانة نتيجة ما تشاهده من فساد يعمّ مختلف القطاعات وإفلات المسؤولين عنه من الحساب، وكذلك غضب هذه الجماهير تجاه ممارسات الأجهزة الامنيّة التي تمثّل لدى هذه الفئات "الحاكم" ولذلك غالبا ما يكون هذا "الحاكم" ممثّلا في المراكز والقوّات الأمنيّة هدفا رئيسيّا لهذه الاحتجاجات.

   لا ننسى أيضا، أنّ هذه الاحتجاجات تتزامن مع مرور عشرة أعوام كاملة من انتفاضة 17 ديسمبر وتهريب بن علي في 14 جانفي، وما لتلك التواريخ وهذه السنوات العشر من دلالات ورموز.


 











احتجاجات المنستير












                احتجاجات القيروان












احتجاجات القصرين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق