الجمعة، 23 أبريل 2021

حول الثّورة الثقافيّة البروليتارية الكبرى*

 

   يزيّف نقّـاد مــاو الوقائع التاريخية المتعلقة بالثورة الثقافية البروليتارية ويبخسون هذا الحدث الهام قيمته، فيصبح هدفه تركيز عبادة شخصية ماو وتوطيد سلطته. وهم بقولهم هذا لا يُقدّمـون اكتشافا جديدا، فقد سبقهم الامبرياليون والتحريفيون من كلّ لون إلى إطلاق مثل هذه التهم. ولأجل هذا لم يجدوا من مصدر يستندون إليه للافتراء على هذه الثورة غير شتائم أنور خوجا الذي قضّى ردحا طويلا من الزمن وهو يمدح "الرفيق العظيم ماوتسي تونغ" بحسب تعبيره ثم انقلب عليه فجأة بعد وفاته فأضحى تحريفيا ورجعيا وبرجوازيا الخ...

   لقد أيّد حزب العمل الألباني بقيادة خوجا الثورة الثقافية عندما كان ماو على قيد الحياة حيث نقرأ في إحدى وثائقه: "أيّـد حزبنا الثورة الثقافية تلبية لطلب ماوتسي تونغ شخصيا الذي صرّح لحزبنا بأن الصين تتعرض لخطر هائل ولا يعرف من سينتصر في الصين القوى الاشتراكية أم التحريفيون"(1) و رغم رائحة الكذب التي تفوح من كلامه بزعمه أن ذلك التأييد تم بطلب من ماو فــإنّ المهمّ هنا هو التأييد المشار إليه الذي يجري التأكيد عليه في فقرة أخرى من هذه الوثيقة حيث نقرأ "وأيد حزب العمل الألباني الصين في فترة حرجة للغاية عندما كانت الصين تتجاوز اضطرابات شديدة وتتعرض لهجوم وحشي من قبل الجبهة الامبريالية التحريفية الموحدة وساند الخط العام للثورة الثقافية"(2) . و لكن ماذا قال أنور خوجا بعد هذا التأييد ؟ لنقرأ ما كتبه بهذا الخصوص في مؤلفه "الامبريالية والثورة": "لقد بيّـن مجرى الأحداث أن الثورة الثقافية البروليتارية لم تكن لا ثورة ولا كبرى ولا ثقافية، وخاصة ليست بروليتارية، لم تكن غير انقلاب قصر"(3).

   لقد كان خوجا خائفا من أن يحتل موقعا خلفيا قياسا إلى القادة الشيوعيين العظام، وتخيّـل أنّـه بتشويه ماو والافتراء عليه سوف يتمكن من أن يشغل موقع القائد الخامس إلى جانب ماركس وأنجلس ولينين وستالين، وهو ما عبّـر عنه بوضوح قائلا: "في صحفنا نعتنا ماو بالماركسي اللينيني العظيم ولكننا لم نستعمل أبدا ولم نوافق على تعريفات الدعاية الصينية التي تصف ماو بأنه المرحلة الثالثة العليا للماركسيّـة"(4).

   و نسجا على منوال خوجا يرى نقادنا أن الثورة المعنية ليست بروليتارية ولا ثقافية فما هي إذن ؟ إنها ثورة الشباب المثقف لا ثورة الطبقة العاملة، وهي في تقديرهم تحمل تناقضا فكيف تكون ضد السائرين على الطريق الرأسمالي والحال أن ماو قد أكّـد أن الاشتراكية هي النظام الاجتماعي المطبق في الصين ؟ ويخلط نقادنا هنا بين الاشتراكية والشيوعية فالاشتراكية مرحلة انتقالية نحو الشيوعية وهي نظام اجتماعي يظل فيه الصراع الطبقي قائما والبرجوازية موجودة والحق البرجوازي معمولا به والمبدأ المطبق خلال هذه المرحلة هو لكل حسب عمله غير أن ذلك لا يحقق المساواة التامة فكما يقول ماركس "ربّ فرد يتفـوّق جسديا أو فكريا على فرد آخر فهو إذن يقدّم خلال الوقت نفسه قدرا أكبر من العمل أو إنّـه يستطيع أن يعمل وقتا أطول ... ربّ عامل متزوج والآخر أعزب وربّ رجل عنده من الأولاد أكثر من رجل آخر، وهكذا لقاء العمل المتساوي وبالتالي من الاستفادة المتساوية من الصندوق الاجتماعي للاستهلاك يتلقّى أحدهم بالفعل أكثر من الآخر ويظهر أغنى منه"(5).

   هذه هي المرحلة الاشتراكية كما فهمها ماركس، أما نقادنا فإنهم لا يعرفون عنها شيئا ويكتفون فقط بترديدها كشعار ليس أكثر، وما أدركه ماو هو أن هذه المرحلة تستوجب مواصلة القيام بالثورة البروليتارية للسير في اتجاه الشيوعية وهذا لا يمكن أن يتم بدون القضاء على هؤلاء الذين استفادوا من الحق البرجوازي وأضحوا يهدّدون حركة التحول تلك بتحويل وجهتها إلي الوراء، وبينما يتحدّث ماركس عن وجود مثل هـؤلاء الأغنياء باعتباره من بين "العيوب المحتومة التي لا مناص منها في الطّـور الأول من المجتمع الشيوعي" يتعجّب نقّـادنا كيف يوجد هؤلاء والحال أنّ المرحلة اشتراكية ؟ وهم يعتمدون نفس الأساليب البرجوازية المستعملة في نقد القــادة الشيوعيين عند حديثهم عن عبادة ماو فالتهمة ذاتها كثيرا ما وجهت إلى لينيـن وستاليـن، وكان الهدف دائما التضليل لفصل جماهير البروليتاريا وعموم الكادحين عن قادتها. وهم يقعون في تناقض مع أنفسهم إذ يدعون من جهة أن مـاو قاد ثورة برجوازية وقضى على الحزب الشيوعي منذ 1935 ومن جهة ثانية يتباكون على "تصفية الدور القيادي للحزب الشيوعي" خلال الثورة الثقافية أي في الستينات من القرن الماضي ؟؟؟ ونلمح التناقض ذاتــه عند حديثهم عن عناصر بلشفية في الحزب الشيوعي الصيني فماذا كانت تفعل تلك العناصر في حزب برجوازي؟ والأغرب من ذلك أنهم يعتبرون أن الثورة الثقافية قد فشلت لأنّ العناصر البرجوازية عششت بعد ذلك في جهازي الحزب والدولة فإذا كانت تلك الثورة قد قامت كما قالت الجماعة نسجا على منوال خوجا لتعزيز سلطة ماو البرجوازي فكيف تكون قد فشلت والحال تلك ؟

الهوامش:

1 - وجهات النظر الصينية أمام محكمة التاريخ، وثائق حزب العمل الألباني، الدار الدولية للطباعة والنشر، ص. 135.

2 - م ن ، ص 136.

3 - أنور خوجا، الامبريالية والثورة، النسخة الفرنسية، تيرانا 1979، ص413.

4 – م. ن، ص. ن.

5 - ماركس - أنجلس، المختارات، الجزء 2، دار التقدم موسكو، ص 224.


* هذا النصّ مقتطف من كرّاس "ماوتسي تونغ في مواجهة منتقديه" لرفيق حاتم رفيق، وهو منشور على هذا الرّابط: ماوتسي تونغ في مواجهة منتقديه


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق