بقلم فاروق الصياحي
في الحادي عشر، من شهر سبتمبر، من العام الحادي والعشرين.. رحل الرّئيس غونزالو البطل.. تاركا دربه الثّوريَّ.. نبراسًا مضيئا أمام البشر.. يضيء طريق الحريّة.
كان موته متوقّعا من قبل القتلَة
لكنّه أرعبهم ميّتا مثلما أرعبهم حيّا
منذ أكثر من أربعين سنة..
حين لعلع رصاص المزارعين في أياكوتشو
معلنا إيقادَ الحرب الشّعبيّة
كان الرّعب يغزوهم وهو طليق في الغابات
ولم يزدهم حبسه إلاّ رعبا
فسكنهم تسعاً وعشرين عامًا
لا الدّرب خلالها انقطعَ ولا الضّوء اِنكسرْ
كانت الأرض لأربعين عام وعام
تحت أقدامهم تحترق
والرّصاص فوق رؤوسهم ينهمر
لم يدرك قتلته أنّــــهم يحبسون رجلا
يحمل قوّة شعب في صدره
لم يدركوا أنّهم يقتلون رأسا
يختزن ثورة حمراء لن ترضى بأقلّ من أن تنتصرْ
لا حسّهم أيقظهم ولا حدسهم أنبأهم
بأنّ "الإرهابيّ" المعزول في زنزانة انفراديّة
دبّج ليلا بيان النّصر من قاعدة كالاو البحريّة
ووزّعه فجرًا في أرجاء العالمِ قاتبة :
" إنّي قاتلتُ عسسي
حرّرتُ قاعدة حبسي
حوّلتها قلعة حمراء
نمت فيها أزهار الحريّة
والآن إذ يقتلونني
سأقاتلهم قتيلا
وأظلّ حيّا أحرس أزهار القلعة !"
***
كانوا يجهلون أنّهم حين يقتلون بطلا
ويطلقون عليه كلّ عبارات الوضاعة
إنّما هم يبعثون إلى الحياة نبيّا أمميّا
لكنّ الرّعب الذي غزاهم كان أقوى
فلم يمنحهم زمنا أطول
ليؤجّلوا ساعة قتله نصف ساعة
بينما منحهم الجبن زمنا أطول
ليؤجّلوا ساعة الإعلان عن قتله
كانت وجوههم صفراء واجمة
ودقّات قلوبهم الميّتة تتسارع
أسرع من سرعة الضّوء
قد خانتهم ترسانة إعلامهم وأقلامهم
وغدرت بهم الشّجاعة
وبزّاتهم العسكريّة الملوّنة لم تكن
سوى رداء يتقمّصونه لبثّ الرّعبِ
في قلوب العصافير ولصوص الكتبِ
لم يجرؤوا حتّى على الكذبِ
ويشيعوا الخبر في قناة أو إذاعة
كان موته الذي انتظروه طويلا يحاصر قصرا
محروسا بالجنود وبالمدرّعات
أطرافهم ترتجف فوق المقاعد المرتجفة
وألسنتهم غزاها الشّلل فيبست في جحورها
وجفّت الكلمات على الشّفاه الزّرقاء
حتّى الاحتفال الذي أعدّوا مراسيمه
من زمن بعيد..
أفشله غونزالو البطل
حين أربك الجماعة
حول مصير جثّته الحمراء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق