إنّه عالم العجائب حقّا، أن يطلع علينا، بعد الأمم المتّحدة وكلّ الهيئات المنضوية تحتها، وبعد مجموعة السّباع السّبع مجتمعين حينًا ومنفردين أحياناً وبعد الاتحاد الأوروبي ومجالسه وهيئاته، وبعد وبعد وبعد كلّ القائمات الطويلة من الأسماء والعناوين البسيطة والمركّبة، ان يطلع إلينا نادي لحكّام فاشلين ويملي علينا ما يريد.. فهل نرحل من هذه البلاد ونتركها لهم ولأعوانهم ليعمّروها أو يدمّروها أو...
أصبحت بلادنا مستباحة أمام من هبّ ودبّ بفضل تلك "الدّيمقراطيّة" التي جلبوها ذات 14 جانفي ونصّبوها سلطانا مستبدّا على رقاب النّاس لا صوت يعلو فوق صوته ولا سلطة تعلو على سلطته. وقد فتحت هذه الدّيمقراطيّة أبواب الوطن ونوافذه أمام كلّ أنصارها من الشّرق والغرب والبحر والجوّ والبرّ فدخلت الجمعيات والنّوادي واللّجان والهيئات ورجال الاستثمارات وعناصر الاستخبارات.. والذين لم يدخلوا تدخّلوا من مواقعهم من وراء البحار فعلت أصواتهم في كلّ صغيرة وكبيرة تهمّ هذه البلاد.. وكلّ ذلك دفاعا عن تلك الدّيمقراطيّة.. حتّى أصبحت كلّ تلك التّسميات ملاذا لكلّ "ديمقراطيّ" إذا ما حامت حوله شكوك ولو بسيطة تتعلّق بما أقدم عليه من أفعال تحت غطاء تلك الدّيمقراطيّة... وفي كلّ مرّة تجود علينا هذه الدّيمقراطيّة باسم جديد كان آخرها نادي مدريد !
نادي مدريد، هو سلّة تجمع عددا من رؤساء الدّول السّابقين ومن رؤساء الحكومات والوزراء السّابقين في عدد من الدّول، يدعو السّلطات التونسيّة إلى الإفراج الفوري عن حمّادي الجبالي، باعتباره عنصرا من عناصر هذه السلّة "الدّيمقراطيّة".
هذه السلّة، التي يجتمع فيها عشرات من الحكّام السّابقين الذين منحتهم القوى الكُبرى رضاها باعتبارهم "ديمقراطيين"، ليس لها أيّ سلطة على أيّ أحد، فدعواتها التي تطلقها هي مجرّد نباح في واد سحيق..
هذه السلّة "الديمقراطيّة" لا تضمّ أيّ رئيس او رئيس حكومة أو رئيس وزراء من البلدان المغضوب عليها (مثل الصين وكوريا الشمالية وروسيا وإيران وكوبا..) من قبل القوى الإمبريالية الأوروبيّة والأمريكية باعتبارهم غير ديمقراطيين حسب المقاييس التي وضعتها تلك القوى للديمقراطيّة.
هذه السلّة تدافع عن الدّيمقراطيّة وتعمل على نشرها، ولكنّ الغريب أنّها تحارب الفساد أيضا، وحين نجد من بين أعضائها حمادي الجبالي والمهدي جمعة، وهما رئيسا حكومتين تونسيتين متّهمان بقضايا فساد مالي وسياسي، فإنّ أسباب الغرابة تصبح باطلة.
إنّه عالم العجائب حقّا.. أن يريد "أكبر منتدى ديمقراطيّ للرّؤساء ورؤساء الوزراء السّابقين" إطلاق سراح أحد أعضائه وهو رهن الإيقاف بسبب قضايا متعلّقة به ليس باعتباره رئيس حكومة سابق فحسب وإنّما متعلّقة بشخصه كمواطن يعيش في هذه البلاد ويحمل جنسيّتها، أم أنّ لرؤساء الحكومات السّابقين، حسب قانون هذا النّادي، حصانة مدى الحياة ضدّ القانون زمن حكمهم وبعد حكمهم ولمَ لا يتمتّع بهذه الحصانة ورثتهم بعد ممــاتهم ؟
لم أجد ما أُهدي إلى هذا النّادي وأعضائه وإلى غيره من النّوادي غير هذا النّشيد:
هنا، في بلدي..
الشّعب يقرّر ما يريد..
لا نادي باريس..
ولا نادي مدريد..
هنا،
الشّعب قال لا،
لديمقراطيّة على مقاس أمريكا
وأعوان أمريكا
لا يريدُ منكم قمحا
ولا حمارًا ولا ديكَا
هنا، الشّعبُ،
يرفضُ، يا أعوان أمريكا
أن تكونوا له سندًا أو شريكَا
فارفعوا أيديكم
واِرحلوا عن ترابه بعيدًا بعيدْ !
هنا، لنا،
ما يكفي من تربة،
لنزرع فيها قمحنا
لنا ما يكفي لنربّي ما نشتهي
ولنا من الوقت ما يكفي
لنبني المصنع العصريّ
ونصنع المستقبل الذي نريد
هنا، لنا،
ما يكفي لنبني وطنًا جديدًا جديدْ
فاروق الصياحي، 28 جوان 2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق