الأحد، 23 أكتوبر 2022

نقطة ضوء: يوم القيــــــامة

 

   عالم اليوم ليس بخير، إنه مُصاب بمرض عضال، هكذا يقول كثيرون، فالبشرية تعيش على وقع تهديد كبير لوجودها، وهذا غير مرتبط بارتفاع الأسعار ونسب التضخم وندرة البضائع بما فيها الطاقة فضلا عن تفشي الأوبئة والبطالة، فتلك ظواهر يمكن إيجاد حلول لها، وإنّما بشبح الحرب النووية أيضا، التي تبدو كما لو أنها أضحت تدق باب العالم الذي غدا مثل عمارة شاهقة تناطح السحاب، ولكنها متداعية للسقوط، ولتجديدها يجب تحطيمها، إذ لم تعد صالحة للسكن مما يفرض إعادة بنائها مجددا، هذا إذا كنا متفائلين فوقتها نكون أمام الثورة.

   أمّا في حال التشاؤم سيتعلق الأمر بانتحار جماعي إذ سنكون أمام الحرب الكبرى الأخيرة في التاريخ، التي ستكون نووية لذلك لن تبقي ولن تذر، فالعمارة لن يظلّ من ساكنيها على قيد الحياة أحد. ولا يعرف كم ستقضي الطبيعة من وقت بعدها حتى تعود الخلية الحيّة الأولى وهي أصل الحياة إلى الوجود مجددا.

   وهذا التقدير ليس مصدره التخمين، وانما دوائر التفكير والتحليل والتقرير في المنتظم الأممي على سبيل المثال فقبل مدة قال الأمين العام للأمم المتحدة إنّ عالمنا على بعد خطوة من الكارثة النووية، والمناسبة القصف الذي كانت تتعرض له محطة زابروجية النووية في أوكرانيا المصنفة الأكبر أوروبيا. وازدادت المخاطر هولا ورعبا، عندما لوحت روسيا باستعمال أسلحة نووية لحماية مجالها الجغرافي، بما في ذلك المناطق التي ضمتها مؤخّرا.

   واليوم تقوم جيوش الحلف الأطلسي بمناورات عسكرية نووية في مناطق شمال غرب أوروبا، وهو ما ردت عليه روسيا بالمثل، ويبدو ذلك الحلف الآن مثل آلة جهنمية، فقد صاحبها السيطرة عليها فأضحت تسير في اتجاهات لا يمكن التنبؤ بها قبل أن تنفجر، ومن مظاهر ذلك القتال في أوكرانيا حتى آخر فرد فيها.

   بل إن عينه تشرئب نحو الصين التي تبدو مثل مارد وقد بدأ يستيقظ، مهددا، مزمجرا، متوعدا، ومن ثمة تشبيه المتحدث باسم خارجيتها أمريكا برجل لا يمتلك غير مطرقة فرأى العالم كله مساميرا يجب دقها، وهو ما يعني وجوب اقتلاع تلك المسامير دون تأخير وإلّا كان ضحيتها.

   وعلى هذا النحو يبدو يوم القيامة كما لو كان غدا، حتى أن الرئيس الأمريكي يتحدث عن معركة "هرمجدون" بما يحيل على معتقد مسيحي، فهناك معركة قادمة لا محالة سيموت خلالها العالم كله لكي توقع شهادة نهايته، وإذا كان الروس برأيه سيستخدمون السلاح النووي فإن تلك المعركة الحاسمة بين قوة الشر روسيا وقوة الخير أمريكا ستندلع وان المسيح سيعود ليقود الخيّرين إلى النصر ضد الشريرين الذين سيكون الشيطان قائدهم.

   ويبدو أن بايدن يعتقد أنه هو المسيح المنتظر بينما بوتين هو ذلك الشيطان، وإنه هو المنتصر وغريمه هو المنهزم، وبعدها سيكون تأسيس مملكة الرب فيما وراء عالمنا الذي يكون لسوء حظه قد كفّ عن الوجود.

   وللإشارة فإن هذه الأسطورة يشترك في الاعتقاد فيها المسيحيون واليهود، بل ان بعضهم يحدد مكان المعركة التي ستدور فيه رحاها وهو مرج بني عامر في فلسطين، وخلال بحث قام به الكاتب الأمريكي دان يانكليفتش، عام 1984، تبين أن 39% من الأمريكيين يعتقدون بأن "هرمجدون" ليست سوى حرب نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وان بلدهم هو المنتصر، واليوم يبدو أن الاعتقاد ذاته لا يزال ساريا مع تعويض الاتحاد السوفياتي بروسيا. وفي الاثناء تحلّق طائرات يوم القيامة في أجواء موسكو وواشنطن استعدادا للنهاية التي سيوقعها جبابرة عالمنا بعد فقدانهم عقولهم، وليس أمام الإنسانية غير أن تقول لهؤلاء كفى جنونا قبل فوات الأوان.

فريد العليبي

جريدة الشروق التونسيّة، 22 أكتوبر 2022

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق