يعاني قطاع التعليم في تونس ازمة متعدّدة الأوجه، وقد طفت على السّطح مع بداية هذه السنة الدراسيّة أزمة التعليم الابتدائي من خلال تنصّل الوزارة عن تعهّداتها السّابقة لفائدة المعلّمين النوّاب وهو ما دفع بهؤلاء إلى تنفيذ إضراب عن العمل متواصل منذ بداية السنة وعديد الاعتصامات وإضرابات الجوع دفاعا عن حقهم في الشّغل الكريم.
ونتيجة لهذا الوضع لم يلتحق عدد كبير من التلاميذ بمقاعد الدراسة سواءً بصفة كليّة أو جزئيّة، فمنهم من يدرسون بعض المواد دون أخرى ومنهم من لم يلتحقوا بأيّ درس. غير أنّ الاغرب من كلّ هذا أنّ هنالك بعض المدارس لم يلتحق بها التلاميذ كليّا وذلك لأنّ كلّ معلّميها هم نواب وبالتالي لم يباشروا عمليّة التّدريس، وهذا الصنف من المدارس ينتشر خاصّة في بعض المناطق الرّيفيّة التي لم ينلها من وزارة التربية سوى التهميش.
بعض هذه المدارس الرّيفيّة كادت أن تبقى أبوابها مغلقة وتتواصل عطلة الصّيف إلى الشّتاء لولا مباشرة المديرين بها، ولكن هي فعليّا مغلقة بما أنّها لا تؤمّ التلاميذ ولا المعلّمين.
ففي منطقة عين مدور في ولاية سيدي بوزيد، لم يعد منذ 15 سبتمبر إلى مدرسة القرية سوى المدير ليفتح أبوابها كلّ يوم. وغير بعيد عن العاصمة، لم يلتحق بإحدى المدارس الريفية في معتمدية مرناق إلاّ تلاميذ السنتين الأولى والثانية حيث اجتهد مدير المدرسة وخصّص وقته لتدريسهم بينما بقي تلاميذ بقيّة المستويات "يلتقطون الزّعرور من الجبل" كما قالت إحدى أمّهات تلميذتين على أمواج إحدى الإذاعات. وهذان ليسا إلاّ مثالين عن عديد المدارس الأخرى التي ظلّت مقفرة، أشبه بالمقابر، منذ بداية السنة الدراسية.
إنّ ما تتعرّض له المدارس في المناطق الرّيفيّة من تهميش هو جزء من سياسة التّهميش الممنهج للرّيف التّونسي في مختلف القطاعات والميادين وليس في ميدان التّعليم فحسب، فلا الصحة متوفّرة ولا الطرقات ولا وسائل النقل ولا النشاط الثقافي ولا الرّياضي ولا التّرفيهي ولا أبسط الخدمات... إلخ، وحتّى في داخل ميدان التّربية والتعليم فإنّ مدارسنا الرّيفيّة تحتلّ المرتبة الأولى في أسفل قائمة المؤسسات التربويّة وهي تتفوّق في سلّم سياسة التهميش حتّى على مدارس الأحياء الفقيرة في المناطق الحضريّة.
إنّ سياسة اللاّمساواة التي تنتهجها وزارة التّربية منذ عقود بين المدارس والمؤسسات التربويّة حسب موقعها الجغرافي وحسب مجالها (الحضري او الرّيفي) وحسب طبيعة الأحياء (شعبيّة او ثريّة) تجاوزت مستويات البنية التحتيّة والتّجهيزات الضروريّة والكمالية والفضاءات والأنشطة المتوفّرة إلى طبيعة الإطار التّربوي المشتغل في تلك المؤسسات. فتلك الموجودة خارج إطار اهتمام سلطات الإشراف أصبح أغلب معلّميها من النوّاب لذلك نجد عددا منها في مثل هذه الظروف مغلقا، بينما لا يتمّ توجيه النواب إلى مدارس الاحياء الثريّة استجابة لمطالب وأوامر الأولياء في تلك الأحياء "الرّاقية" وخوفا من غضبهم. وبالتّالي، فإنّ هذه السياسة التي تكيل بمكيالين في التعامل مع المؤسسات التربويّة تحرم أبناء وبنات الطّبقات الشّعبيّة الفقيرة من حقّهم في تعليم مثل أترابهم من أبناء الطبقات الميسورة، وأحيانا يُحرمون حتّى من حقّهم في التّعليم والحال أنّ المدرسة العموميّة هي الوحيدة التي يقدرون على ارتيادها أمام عجزهم عن الالتحاق بالمدارس الخاصّة.
أ ليس من حقّ أطفال القرى والأرياف والأحياء الفقيرة الحصول على تعليم يتساوون فيه مع أترابهم من أطفال المُدن ؟ أم أنّهم مواطنون من درجة ثانية ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق