السبت، 24 يونيو 2023

ماذا يجري في روسيا ؟

 

   في وقت ما ليس بالبعيد قد تصبح فاغنر "الدعم السريع  الروسي... وقد يصبح شويغو البرهان وبريغوجين حميدتي، إلى جانب تلك الشركة الأمنية المحاربة هناك ميليشيات أخرى.... وزارة الدفاع الروسية وقّعت عقود عمل في الجبهات وهذا أقلق فاغنر التي أراد صاحبها وهو من كبار الرأسماليين الروس احتكار تلك العقود وما تدرّه من أرباح، مطلقا التحذير تلو الآخر ولكن بوتين كان أصمّا .

   بريجوجين، ذلك الطباخ الذي بنى ثروة مستفيدا من قربه من بوتين يريد الآن وراثته سياسيا أو أن يكون على الأقلّ ذراعه اليمنى عسكريا بدلا عن هيئة أركانه الحالية، مستغلا ظروف الحرب فقد أضحت مطامحه الشخصية لافتة ولكنها ليست إلّا جزءا من مطامح أوسع لفئة تدور حول الكرملين تريد نصيبا أكبر في الاقتصاد والسياسة وغيرهما خاصة بعد أن أصبح لها جناحها المسلّح منذ تأسيس تلك الشركة سنة 2014. فضلا عن إدراكها أنّ بوتين قد وصل إلى نهاية مشواره السياسي أو يكاد.

   الدولة السوفياتية الوليدة بقيادة لينين خاضت حربا ضد البيض المدعومين من قبل أعتى الامبراطوريات البورجوازية دون توقيع عقد واحد، كان المقاتلون يتدفقون على الجبهات للقناعة الثورية وحدها. وفي الأخير دحر السوفيات / الجيش الأحمر جيوش دنكين وكورنيلوف البيضاء .وذهبت أموال فرنسا وبريطانيا وألمانيا واليابان وغيرها هباء .

   الدولة السوفياتية حاربت بعد ذلك النازية وانتصرت دون توقيع عقد واحد مع مرتزق وانتهي المطاف بالجيش الأحمر في رحاب برلين وأفاق العالم على بطولات السوفيات بقيادة ستالين هذه المرة.

   اليوم لا وجود لدولة السوفيات، هناك روسيا بوتين الحالمة باسترداد مجدها الامبراطوري وقد خبا فيها ذلك العنفوان الثوري وما يثير شهية القتال الآن هو المال ولا شيء سواه، هنا لا فرق بين الجندي الروسي والجندي الأوكراني، وهناك مرتزقة يأتون من بلدان بعيدة بحثا عن ذلك المال أيضا. ولكن المرتزقة قد يتحوّلون إلى عبء ثقيل والدليل تصريحات وأفعال مالك فاغنر اليوم وقبل ذلك من الأيّام.

   ومع مرور الوقت سيدرك الروس " الطيبون " أن حربهم ضد الإمبراطورية الأمريكية ومن يدور في فلكها تتطلب ضمن ما تتطلب من أدوات النصر فكرة مقاتلة يموت الناس لأجلها دون جزاء أو شكور.

   ما قام به افقيني بريجوجين حتى الآن وما صرّح به مثير للريبة، هو من قال يوما أن وزير الدفاع الروسي أعطى الأمريكيين في سوريا إحداثيات لتمركز قواته فقصفوها مما أدّى الى مقتل 400 من بين مقاتليها، وأن الوزير إياه خذله في باخموت/ ارتيموفسك ولم يرسل إليه الذخيرة وانّ قطاعات من الجيش هربت وتركته وحده وروّج الأوكرانيون انّه اتصل بهم للتفاهم واخلاء مواقعه وهو ما نفاه... قواته مكونة في أغلبها من مساجين وهذا معناه أنها من مرتزقة لا يهمهم ماذا يفعلون وإنّما ماذا يقبضون.

   تصريحات بريجوجين دوّخت الأمريكيين فاعتبروها أحيانا تقاسم أدوار مع شويغو وزير الدفاع وغراسيموف رئيس الأركان. ولكنهم الآن يقولون أن هناك صراعا حقيقيا بعد رؤيتهم جنوده وقد حطوا الرحال في روستوف استعدادا لغزو موسكو، ربما كانوا يعرفون النهاية منذ أشهر ولم تكن حيرتهم غير مسرحية لمشاهد وحيد اسمه بوتين .

   آخر ما طالب به بريجوجين البارحة هو إحضار عدوّيه الى روستوف المدينة التي سيطر جزئيا عليها، أي وزير الدفاع ورئيس الأركان ليعتقلهما ويعدمهما ويدفنهما إلى جانب لينين في موسكو... الإشارة إلى لينين مهمة، فبريغوجين لا يحب الشيوعيين ككل البرجوازيين واللافت أن دعما جاءه من برجوازي روسي وسجين سابق معاد لبوتين ومناصر للكيان الصهيوني يعيش في المهجر يشترك وإيّاه في الأصول اليهودية .

   بريغوجين يشكّك الآن في العملية الخاصة وينزّه أوكرانيا فقد كانت مستعدة للتفاوض حسب تصريحه كما أنّه قال قبل الذهاب إلى روستوف وعكس كل التقارير الإعلامية أنّ القوات الروسية تتراجع أمام الهجوم المضاد الأوكراني وهذا يقود إلى تخمين أنّه عندما فشل ذلك الهجوم تحركت فاغنر مما يعني ترتيبا مسبقا تحت مظلة الناتو وهذا يسهّل اتّهام مالكها بالخيانة وربما تصفيته أو اعتقاله وهو ما طالب الأمن الفدرالي الروسي عناصر فاغنر القيام به بأنفسهم. وقتها بإمكان بوتين تأميم شركة فاغنر وإلحاقها بالجيش الروسي.

   خطاب بوتين لم يتأخر ووقوفه إلى جانب وزير الدفاع ورئيس الأركان كان منتظرا وهو يفتح باب الصراع المسلح بين فاغنر والجيش على مصراعيه.

   إذا نجح الجيش في قصم ظهر فاغنر خلال ساعات سينتصر بوتين، إذا طال أمد الصراع سوف يخسر إذ سيفتح ذلك الباب أمام تدخلات خارجية عديدة وطويلة الأمد ويزرع انعدام الثقة بين الشعب. ولن يهزم وقتها التدخل الخارجي غير ثورة بلشفية جديدة فالحرب والثورة شقيقتان أحيانا وهناك أمر لا يجب نسيانه وهو أن اليسار في روسيا لا يزال قويا وله كلمة هو أيضا فالصراعات تتم الآن بين قوى اليمين. ولن يتأخر ذلك اليسار في دخول حلبتها ومن مواقع غير معروفة حتى الآن وهو الذي كان شاهدا على تفكيك القلعة الحمراء بالتضليل والعنف في الوقت نفسه.

في روسيا اليوم تقاس الدقائق بالساعات والساعات بالأيّام والايام بالأشهر وربما السنوات.

فريد العليبي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق