على خلاف العادة، وعلى خلاف رؤساء الطّأطأة والتّأتأة الذين كانوا يحضرون جثثا في المحافل الدّولية، كان حضور الرئيس قيس سعيّد لافتا للانتباه وهو ما أثار اشمئزاز الكثيرين الذين لا همّ لهم غير البحث في المظاهر ليظهروا سطحيّتهم وقصورهم، فينهالون بقهقهتهم وعبارات الاستهزاء والازدراء غير مدركين أنّهم غير قادرين على إدراك الرّسائل والمواقف التي أثارت حفيظة قادة ما يُعرف بالعالم الحرّ في عقر دارهم.
هؤلاء، الذين اعتادوا من قادتهم خُطبًا برّاقة صالحة لكلّ المناسبات معدّة سلفًا، خطبا حبلى بعبارات التمسّح والتهنئة والتبجيل والمحاباة والولاء والطّاعة، لا يمكنهم أن يتقبّلوا كلامًا ضدّ هذا التيّار الهادئ الذي اعتادوا السّباحة فيه بسلام، هذا إن هم فعلا أنصتوا وتجاوزوا حاسّة البصر إلى تشغيل حاسّة السّمع بدل الاكتفاء بإصدار أحكام بمجرّد النّظر إلى بعض الصّور.
قيس سعيّد، يسبح ضدّ التيّار، تيّار الاستسلام والعمالة والخضوع والتزلّف، ويركب تيّار المواجهة والنديّة والاستقلالية والسيادة والشجاعة. وهو يقدّم دروسا لأولئك الذين اعتادوا الخنوع والخضوع ويشحذ همم أولئك الذين ليس لديهم ما يخسرون سوى عبوديتهم راسما أمام من رضوا بمعادلة الصغير والكبير طريق الحريّة والتقدّم.
إلى أولئك الذين يكتفون بالصّور ليصدروا تعليقاتهم واحكامهم المخجلة، هذا بعض ممّا نطق به الرّئيس في باريس: "تعلمون ولديكم الأرقام، أن القروض التي منحت للعديد من الدول لم تذهب إلى الشعوب ولم تحقق شيئا بل تم الاستيلاء عليها وأنتم تعلمون من استولى عليها والأموال التي نهبت وتوجد في المصارف في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية لماذا لا تعود إلى شعوبنا ؟"
إنّه يؤكّد لقادة ما يُعرف بـ"بلدان الشّمال" الذين بنوا قوّتهم من استنزاف خيرات ما يعرف بـ"بلدان الجنوب" أنّهم صاروا "كبارا" كما هم يعتقدون بفضل هذا الاستنزاف، ولذلك فإنّ ما يعرف بـ"الصّغار" ليس إلاّ نتيجة لهذه العلاقة غير المتكافئة بين النّصفين الشمالي والجنوبي من الأرض. وللأسف، لا يصدّق أولئك المكتفون مشاهدة الصّور مثل هذا الكلام ولا يريدون تصديقه لأنّهم لا يملكون الجرأة على الاعتراف بالمسؤوليّة التي يتحمّلها أولئك الكبار في تقسيم العالم والأرض على ما هما عليه اليوم، ولا يمكن بالتالي لهؤلاء أن يتصوّروا أنّ هذا التقسيم يمكن أن يتغيّر إذا ما تمّت مقاومته والاعتماد على الذات من أجل التخلّص من هذه الهيمنة الشمالية، ولكن من أين ستأتي الشجاعة إلى هؤلاء الخانعين لينبذوا الأوهام البرجوازية التي رسّخها في صفوفهم ذلك الشمال الكبير المتفوّق ليحافظ من خلالهم على هيمنته عليهم ويبقيهم "صغارا".
ضدّ أولئك الذين يعتبروننا صغارا صرخ الرّئيس " نحن لسنا صغارًا "، وإلى الخانعين منّا وجّه نفس الرّسالة علّه يوقظهم حتّى لا نبقى صغارا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق