السبت، 23 يناير 2021

عشر ملاحظات حول الاحتجاجات الشعبية في تونس ‏*بقلم فريد العليبي

 

   تتصف الاحتجاجات الحالية في تونس بشعبيتها حتى أن عدد الموقوفين بسببها
يقترب منذ بدايتها قبل أيام ثلاث من الألف ومنهم من صدرت بحقه أحكام سريعة قاسية هذا أولا.

 كما أنها موسومة ثانيا باتساع نطاقها فقد شملت جهات مختلفة في الشمال والجنوب والساحل والوسط .

 ثالثا انخرط فيها حتى الآن الشباب الفقير والمضطهد والمقموع وهو الذي يعاني أغلبه من البطالة والانقطاع المبكر عن الدراسة والهجرة واعتداءات البوليس ويزج به غالبا في السجون الخ...

رابعا تركز خلالها الهجوم ليلا على مراكز النفوذ المالي والتجاري والأمني مثل اقتحام بنوك ومقرات البوليس والحرس والفضاءات التجارية الكبرى وخاصة تلك التي يروج أنها تتبع بعض الشخصيات الإسلامية والمستثمرين الأتراك في تونس.

خامسا التحاق قوى سياسية ونقابية وطنية شيئا فشيئا بها ومحاولتها العمل على عدم تركها لقمة سائغة لمن يود التلاعب بها، إما بتوظيفها في صراعات السلطة أو بتشويهها من خلال الزج بها في الاعتداء على مصالح الشعب وممتلكاته لعزلها وتجريمها وتصويرها على أنها من فعل لصوص وقطاع طرق. وكان لافتا انتقال رئيس الجمهورية قيس سعيد الى حي فقير في أطراف العاصمة والتقائه بشبان وحثهم على الحذر من المتاجرين المحتملين باحتجاجهم وفي نفس الوقت اعتراضه على وصفهم باللصوص والمجرمين، وهو ما لم يقدر عليه رئيس البرلمان راشد الغنوشي ورئيس الحكومة المتحالف معه، المتحصنين الى حد هذه اللحظة بالصمت.

 سادسا في مواجهة تلك الاحتجاجات هناك نظام سياسي غارق في أزمته منذ سنوات، وهو عاجز عن حل المشكلة الاقتصادية الاجتماعية التي انتفض بسببها الشعب ضد زين العابدين بن على، وجراء عجزه أصبح يلجأ اكثر فأكثر الى الاضطهاد وتشويه الاحتجاج الشعبي، متوسلا نفس أساليب القمع القديمة التي لم تحقق النجاح في الأخير، وأضحت مثيرة للسخرية.

 سابعا اتحدت ضد الاحتجاجات الأخيرة مختلف أحزاب النظام ومنظماته المهنية واعلامه الخ.. في موجة تنديد واسعة فالتقى في ذلك الاخوة الأعداء ومنهم الدستوريون والاسلاميون بما يشير الى أنهم جميعا يخشون زوال حكم قديم ونشأة حكم جديد يعطي لهؤلاء المفقرين والمضطهدين حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية ولا يكتفي بخداعهم بالوعود التي لم تطبق يوما.

 ثامنا كان لافتا حدة موجة القمع الأخيرة ضد المحتجين بما يشير الى أن السلطة تتجه مرة أخرى نحو دفن الحريات التي فرضتها انتفاضة 17 ديسمبر فحتى عندما خرجت جموع المحتجين الى الشوارع نهارا حاصرتها في الشوارع والأزقة ورشقتها بقنابل الغاز وأشهرت في وجهها الهراوات.

 تاسعا كان بارزا ترديد الاعلام الرسمي أن الأمر يتعلق بعصابات من المجرمين وشراذم من قطاع الطرق وقال بعضهم أن هؤلاء هم أحفاد أبي يزيد صاحب الحمار في إشارة الى ثورة المضطهدين القادمين من الأرياف ومحاصرتهم المهدية عاصمة الدولة الفاطمية خلال القرن العاشر الميلادي.

 عاشرا، غني عن البيان أنه في كل الثورات والانتفاضات والاحتجاجات هناك لصوص وقطاع طرق وأمراء حرب تدفع بهم الرجعية إلى الوجود لتعطيل عملية التغيير الثوري.. وهم يؤدون مهمتهم بنجاح عندما تكون موازين القوى لغير صالح الثورة، وعندما يكون العكس ينهزمون ويحاكمون ويلقون جزاء ما فعلوا، فخلال الانتفاضة التونسية ضد بن على ظهروا متأخرين فقد كان المنتفضون متضامنين موحدين، ولم يدخل وقتها المال السياسي الحلبة بعد، وعند تهريبه الى السعودية خرج هؤلاء الى الوجود مع مجيء الاسلام السياسي ودولارات الخليج وتوجيهات الاتحاد الاوربي وأمريكا فظهرت فيالق من المرتزقة بعضها أصبح لها احزاب وجمعيات واذاعات وربما ميليشيات، وتلك العصابات تعمل الآن بحرية، وهى التي تنهب وتحرق مستشفى مثلا لكى تبرهن على طريقتها أن المنتفضين غوغاء ودهماء وسوقة يجب ضربهم بيد من حديد، ولكن ديالكتيك التاريخ يسير في الأخير لصالح هؤلاء الذين لا ثروة بين أيديهم ولا اعلام ينقل ما يتردد على افواههم فيسمعون من خلال الشوارع صيحاتهم التي سرعان ما يتردد صداها في القصور، قبل تحولها مع مرور الزمن الى قاع صفصف.

------

تونس 19 جانفي 2021 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق