اندلع حريق ليلة الثلاثاء 26 أكتوبر 2021 في قسم الأرشيف بالمستشفى الجهوي بالقصرين والتهم عددا من العلب الكرتونيّة التي تحتوي على وثائق إداريّة خاصّة بالمستشفى، وقد تدخّلت الحماية المدنيّة لاحقا لإخماد الحريق.
وتشير المعطيات الأوّلية إلى أنّ الحريق كان مفتعلا والهدف منه إتلاف الوثائق الإداريّة للمستشفى للتخلّص من الأدلّة التي قد تدين بعض العاملين في هذه المؤسّسة وهو ما يدلّ أنّ هناك أطرافا مورّطة في بعض عمليّات الفساد وهي مرتعبة من إمكانيّة تتبّعها قضائيّا. فهذه الطّريقة في التخلّص من الوثائق ليست جديدة وقد تعوّد المشبوهون في ضلوعهم في عمليّات غير قانونيّة على القيام بها للتهرّب من الادلّة التي تثبت تورّطهم في تلك الممارسات.
حادثة المستشفى الجهوي بالقصرين ليست معزولة وإنّما تدخل في إطار التهرّب من المسؤوليّة من قبل المسؤولين الفاسدين الذين دأبوا على استغلال مناصبهم الإداريّة سواءً كانوا في إدارات محليّة او جهوية أو مركزيّة وذلك في إطار أعمّ وأشمل وهو الفساد الإداري والمالي الذي صار ركنا أساسيّا من الأركان التي تقوم عليها هذه الدّولة. وبما أنّ رائحة أنباء المحاكمات والتتبّعات التي طالت عددا من المؤسسات فاحت في المدّة الأخيرة ولازالت متواصلة فإنّ كلّ من لديه أدنى شكّ في تورّطه في ملفّ فساد أصبح يرتعش خوفا على مصيره ولذلك لن يتأخّر في طمس ما يمكن أن يدينه بالإتلاف أو بالحرق أو بالهروب والاختفاء.. وحتّى بالقتل إن تطلّب الأمر ذلك مثل ما وقع قبل أيّام لأحد المسؤولين بإحدى الإدارات في سيدي بوزيد الذي عُثر عليه مشنوقا. وهذه الطّرق والأساليب يلجأ إليها الأفراد كما تلجأ إليها العصابات المختصّة في عديد الجرائم ومنها جرائم الفساد وكذلك تلجأ إليها منظومات وأنظمة برمّتها. ولعلّ الكثير مازالوا يتذكّرون أنباء وصور أكداس الوثائق التي تمّ العثور عليها ملقاة وممزّقة في عديد المناطق غداة انتفاضة ديسمبر 2010.
ولذا فإنّ مكافحة الفساد لا يجب ان تقتصر على أفراد ولا على عصابات ولكن يجب ان تتّسع دائرتها عموديّا وأفقيّا لتشمل كلّ النّظام الذي أنتج الفساد ورعاه وكرّسه ليكون ركنا من أركان الدّولة التي يتحكّم في مفاصلها، وهذا يتطلّب ضرب تلك المنظومة من تحت ومن فوق، أي في المحلّي والجهوي والمركزي في نفس الوقت ويتطلّب أيضا سرعة في الأداء واتّباع تكتيك المباغتة حتّى لا تُترك الفرصة لمن يستطيع أن يحرق أو يُتلف أو يفرّ أو حتّى يقتل الأدلّة لأنّ مكافحة الفساد هي حرب ضدّ نظام كامل ترعرع وتربّى عليه مثلما تربّى على التفقير والتجويع... وما الفساد إلاّ ضلع من أضلع الانظمة الرّجعيّة القائمة على الاستغلال والاضطهاد والعمالة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق