تُجمع قًوى جبهة 24 جويلية على أن نهاية قيس سعيد قد اقتربت، بل انها تجمع ملفات محاكمته وتعد العدة للإعلان عن حكومة موازية وإعادة الروح الى البرلمان المنحل، ولها ثقة كبيرة في النفس، مع غرور لافت. والسؤال هو ما مصدر كل ذلك ؟ هل هو الدعم الداخلي أو الخارجي أم الاثنين معا ؟
إذا نظرنا الى الدعم الداخلي نلاحظ أنه غائب، وقد ثبت هذا بالوقائع، فحركة النهضة التي جمع شيخها عشرات الآلاف قبل أشهر في شارع محمد الخامس بالعاصمة لا يمكنها الآن جمع غير العشرات، بل ان ذلك الدعم مفقود حتى في الداخل الحزبي، فبعض جنرالات الغنوشي تركوه لتأسيس حزب منافس، أما نجيب الشابي فقد افتك منه أخاه حزبه، بينما هاجر منصف المرزوقي واستقر بعيدا عن الهرج التونسي، بعد أن تفتت حزبه الى شظايا، مكتفيا بالتعبير عن أمانيه، مترددا بين ترك السياسة وراءه واستقبالها أمامه.
أما الدعم الخارجي فموجود، و هو ملموس وقابل للمعاينة، ولا يكاد يمر يوم دون استقبال سفير هنا وسفير هناك، فضلا عن تصريحات وزراء دول طامعة وحملات صحفية وبيانات جمعيات ومنظمات مُزكية .
تُدرك جبهة 24 جويلية أن الشعب يكرهها، وهو ما تؤكده أرقام مؤسسات سبر الآراء، فقد عيل صبرها وهي تخطب وده، ولكنه تجاهلها، لهذا تلجأ الى الخداع والتضليل والاتكاء على الأجنبي الطامع، ناشرة الخوف والهلع بين صفوفه، فالوضع مٌعقد وعلى شفا هاوية، مُظهرة نفسها باعتبارها تمثل الحكمة لذلك يجب الاصغاء إلى ما تقوله .
و لكنها عندما تجود علي الشعب بنصائحها ووعودها، فإنها لا تقدم سوى المخاتلة، فمالك الحزين عندما ينصح الأسماك بنقلها بين منقاره لبركة ماء أخرى بها خير عميم وتصدقه فإن الهلاك مصيرها، لذلك تراهن على تصدعات في جبهة 25 جويلية، وخاصة دق إسفين بين الاتحاد العام التونسي للشغل ورئاسة الجمهورية، وترك قيس سعيد يغرق في ملفات القضاء والحوار الوطني والعلاقات الخارجية والغلاء والتضخم، دون المجازفة بخوض معركة باسمها قد تزهق روحها.
و اذا علمنا أن التناقضات التي فجرت انتفاضة 17 ديسمبر لا تزال في أغلبها دون حل، وأن العامل الخارجي ظل حتى الآن يتمتع بدور كبير في هندسة المشهد السياسي التونسي، فإن فرضية عودة جبهة 24 ديسمبر ليست مستبعدة. ولكنها حتى لو عادت الى الحكم فإنها مهزومة لا محالة، لأن انتصارها سيكون بقدرة الأجنبي وحده، وهذا ما لن يسكت عليه التونسيون طويلا، وسيكون يوم عودتها بداية أخرى لمسيرة رحيل مأساوي المرة القادمة، فالانتفاضة لا يمكنها التخلص من أعدائها دفعة واحدة، لذلك هي معنية بقضمهم الواحد تلو الآخر، وخلال مواعيد متلاحقة، وهي اليوم في حالة ضعف تجاه عدوها الخارجي خاصة، ولكن ساعدها يشتد مع مرور الوقت .
في المقابل فإن جبهة 25 جويلية تبدو مفتتة تنظيميا، فلا قواها الحزبية متحدة، ولا الرئيس أنشأ قوة سياسية فاعلة، وجاء الخلاف حول الحوار الوطني ليوجه لها ضربة موجعة، كما تعاني من غياب الداعم الخارجي بعد التردد الجزائري والصمت المصري. ولكنها لا تزال قوية بزخمها الشعبي الذي يدور غالبا حول الرئيس، الذي يداوي بين الفينة والأخرى الأزمة بالصدمة، مما يساهم في زيادة شعبيته .
وتلك القوة ستترسخ في حال النجاح في تنظيم صفوفها، بما في ذلك بناء "حزب" الرئيس، وهو ما ينبغي أن يسبق الاستفتاء، أو في أقصى الحالات الانتخابات القادمة. وهذا من شأنه أن يؤدي الى نشأة سلطة متجانسة سياسيا، متنوعة أيديولوجيا، تضع حدا لحالة الجلوس بين كرسيين، كرسي تونس القديمة وكرسي تونس الجديدة. أما إذا غاب ذلك فمن المرجح هزيمة قيس سعيد وخسرانه الحكم، ولن يكون ذلك لبطولة وشجاعة وحكمة أعدائه، بقدر ما سيكون لعجزه وعجز حلفائه عن حل تلك المعضلات.
فريد العليبي
الانوار، 10 جوان 2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق