افتتاحيّة العــدد 73 من طريق الثّورة
شهدت تونس مع مطلع هذا العام تركيز برلمان جديد، وذلك إثر تنظيم أوّل انتخابات خلال المسار الجديد الذي تسير فيه البلاد بعد حلّ البرلمان القديم على إثر الهبّة الشعبية العارمة يوم 25 جويلية 2021، والتي كان أبرز شعاراتها حلّ ذلك البرلمان الذي تحوّل إلى عبء ثقيل على كاهل الشعب.وقد مثّلت هذه الانتخابات تجربة جديدة من حيث طبيعتها، فهي انتخابات في قطيعة مع ما كان سائدا سابقا، فقد ضعف فيها دور الحزب وانتفت القائمة وحضر الفرد، وفق رؤية جديدة. ولذلك، فقد سعت جهات وأطراف سياسيّة عديدة إلى العمل بكلّ ما أوتيت من قوّة إلى إفشالها مستعملة في ذلك نفوذها الإعلامي وقوّتها الماليّة وعلاقاتها بقوى خارجيّة لإظهار عدم توفّرها على مقاييس الديمقراطية والشفافية والنّزاهة الخ من العبارات التي كانت تصبغها تلك الأطراف والجهات السياسية على الانتخابات التي جرت في السّنوات العشر السّابقة مع انّها لم تجلب للشعب وطبقاته الكادحة غير المزيد من التهميش ومن التفقير ومختلف أشكال البؤس ولم تجلب للوطن غير مزيد من الخضوع للهيمنة الخارجيّة والوقوع تحت وصايا وضغوطات الجهات "الصّديقة والشقيقة" التي كانت "تسهر على إنجاح النموذج الديمقراطي التونسي". لذلك، فإنّ الانتخابات الأخيرة، ورغم محاولات تلك الأطراف المعادية لها، قطعت بشكل كبير مع مظاهر المال السياسي الفاسد والماكينات الإعلامية المشبوهة، مع أنّ ذلك لا يعني أنّها كانت "نظيفة مائة بالمائة" حيث علقت بها بعض الشّوائب من مخلّفات وممارسات الانتخابات السابقة لأنّ القضاء على تلك العادة السيّئة يتطلّب تطويرا في القوانين من جهة وتطويرا أيضا في درجة الوعي لدى المترشّحين والنّاخبين على حدّ السّواء من جهة أخرى وهذا لا يمكن أن يحدث بين ليلة وضحاها وإنّما سيستغرق وقتا حتّى يتمّ القضاء على تلك الشّوائب التي رسّختها الديمقراطية الليبرالية المغشوشة.
ويمثّل إنجاز الانتخابات التشريعية وتركيز البرلمان وشروعه في العمل، ومن قبلها إصدار دستور جديد، خطوة مهمّة في مسار تركيز مؤسسات الدّولة في انتظار استكمال انتخابات مجلس الجهات والأقاليم التي بفضلها سيتمّ استكمال تركيز الأجهزة التشريعيّة.
وإذ تمّ تركيز هذا الجهاز التشريعي، والمضيّ في مكافحة الفساد وفي مقاومة القوى التي تحنّ إلى استعادة مجدها الأسود والدّفاع عن السيادة الوطنية أمام الضغوطات الخارجيّة، فإنّ الأزمة الاقتصادية والمالية وانعكاساتها الاجتماعية تتطلّب المزيد من الاهتمام حتّى لا تتعمّق هذه الأوضاع أكثر خاصّة وأنّ الشعب انتفض في 17 ديسمبر من أجل تغيير واقعه المادي والاجتماعي عبر رفعه شعار إسقاط النّظام الذي كان مسؤولا عن ذلك الواقع الرّديء، ثمّ إنّ الأطراف المعادية لمسار 17 ديسمبر-25 جويلية تحاول استغلال تواصل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية لبثّ سمومها في صفوف الفئات المفقّرة علّها تظفر بتمرّدها مع أنّها لم تنجح إلى حدّ الآن في استثمار هذا العامل. فتركيز المؤسّسات السياسية والحرب التي تمّت مباشرتها ضدّ اللّصوص والمحتكرين الفاسدين في قطاعات عديدة هي خطوة مهمّة في هذا المسار، غير أنّ القطاعات والميادين الأخرى، من اقتصاد واجتماع وثقافة وتعليم وصحّة ونقل وغيرها، يجب أن تكون على جدول أعمال بناة تونس الجديدة.
------------------------------------------------------------------------------
طريق الثورة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق