الثلاثاء، 19 أبريل 2022

وحده الأزهـــرُ يسمعني *فاروق الصيّاحي

 إليه في ذكــراه

أصيح بأعلى شرياني   

فلا أحد يسمعني سوى الأزهر

أخطّ ما شئت من كلام ‏

فلا أحد يقرأ حروفي

سوى ذاك الرّجل الأحمر..

‏* * *‏

الآن صرتُ أغنّي ‏

‏" غدا أشجارنا تزهرْ‏

ما بين الكهف والوادي

وينضج ثمرها الأحمرْ

وتمتدّ سواعد سمر

لتقطف ما شاءت ‏

من ثمر كرمنا الأخضر.. " ‏

‏***‏

أغنّي.. ثمّ أغنّي

لا أحد معي.. يسمع وجعي

لكنّي،

أسمع صوتا يأتي من بعيد ‏!

أ تراهُ صدى صوتي ؟

أم تراها النّجمة العاشقة

قد ترفّقت بي حين آلمها شجني ؟

‏* * *‏

في ليلتي هذه،

وفي ذكراك الأليمة،

وقد تناساك القليل،

لا أحد يؤنسني

ويسهرْ..

                 معي

لا أحد يخفّف وجعي

لا أحد يجفّف دمعي

لا أحد.. سوى أضلعي ‏

وذكرى رجل أحمر

فمتى يا وطني الموجوع تُزهرْ ؟

لينبت عشب على قبره

لتغمره بهجة عصفور ‏

ينتشي بقدوم الرّبيع

ليتحسّس لسعة نحلة

تتغذّى من نوّار وأزهار

أينعت وسط حقل صدره

ليرى رهف تلاحق ظلّ فراشة

ليسمع صوت عمر وهو يكبرْ

لينتشي بهديل حمامة ويسكرْ

متى يا أرضنا المرويّة بدم ثوّار  منسيّين..‏

تكتملين ؟

متى تجفّفين جرحا غائرا في عمق التّاريخ ‏

كلّما مرّ يوم غدَا يكْبرُ أكثرَ وأكثرْ ؟

‏* * *‏

أصيح بأعلى شرياني

فلا أحد يسمعني سواه

حين ردّ ساخرا ومنتشيا

‏" لك الله... "‏

لقد طلّقك جميع الأحبّة،

طلّقتك النّوارس.. ‏

وكلّ العصافير هجرتك وهاجرت

فلا سنابل في حقلك ‏

لا أسماك في نهرك ‏

لا لآلئ على شاطئ بحرك‏

كلّهم طلّقوك.. لأنّك تزوّجت الآه

وها أنا وحدي أسمعك ‏

أسهر وأسكر معك،

فحدّثني عمّا حدث من بعدي..‏

حدّثني عن أمّي،

عن الكادحات في حقل الإقطاعيّ،

عن ثمن الخبز،

عن عدد الرّؤساء،

عن أسماء الأحزاب،

عن الحرب الثّوريّة في الهند،

عن ضحايا الوباء ‏

وضحايا الإرهاب الأسود..‏

حدّثني عن وطني الممزّق بين أيديهم

حدثّني هل رتقوا جسمه ؟

هل لوّنوا اسمه ؟

أخبرني عنه حتّى أراه ‏!

‏***‏

يجتاحني الخجلُ..‏

وأنا أبحث في مفاصل اللّغة..‏

عن ثغرات أتدبّرُ بها ردّي

قد تنقذني من أدوات استفهامك..‏

لكن.. لا شيء منها يُجدي

فلم أجد للمرّة الألف غير الصّراخ،

بأعلى شرياني.. ‏!

أخـــــي الأزهــــــــــر،

جرحنا النّازف مازال ينزف،

الوطن المحتلّ مازال محتلاّ

طائرات الاحتلال مازالت تقصف

قرانا وأحياءنا السّكنيّة

وتعود سالمة إلى القواعدِ

حكّام الوطن الكبير زاد كرمهم

فمنحوا العدوّ المحتل أراض جديدة

وعقدوا معه اتفاقيات تعاون في العسكر والاقتصاد ‏

في بلدي، لم يتغيّر لا الاسم ولا الجسم،

البوليس في شارع الثّورة يقمع

في المخفر وفي السّجن يعذّب ويعتدي

***

أمّا أنا.. أيّها الأزهر

يا جرحي النّازف..‏

ويا فرحي الأبدي

أنا، ها هنا.. مازلتُ عالقا،

وسط عربات النّقل البلدي

أطبّق حكمة قديمة:‏

"الشِدّه" في أعمدة الحافلة الصّفراء

هناك، في تلك الحافلة

 تركْتُ بالأمس وسط الزّحام بعضًا من يدي

وأخشى أن أفقد في المرّة القادمة..‏

ما تبقّى منها أو من جسدي !

فلا تتركني وحيدًا أواجه..

 كلّ هذه الرّداءة وهذه البذاءة

إنّي أراك تُزهر رغم الجراح التي..

ما بارحت لحظة صدري

وأسمعك سعيدًا تؤدّي نشيدًا للغدِ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق