نصّ للرفيق أجيث (الهند)هذا ليس الهجوم الأول الذي يشنه الشعب الفلسطيني ضد الدولة الصهيونية، لكنّ الهجوم الحالي له بعض السمات المميزة، وهذه الميزات تميزه عن سابقاته. فجميع المنظمات التي تدافع عن تحرير فلسطين وتخوض الكفاح المسلّح ضد الاحتلال الصهيوني هي مشاركة في هذه الحرب، وتقدّم مراكز العمليات المشتركة التعليمات للمقاتلين. بدأت هذه الوحدة تتشكل خلال انتفاضة 2021، وقد ظهرت على إثر ذلك مجموعات مسلحة ضمّت مشاركين من تنظيمات مختلفة مثل عرين الأسد ولواء جنين. وتنظّم هذه الجماعات باستمرار هجمات ضد المحتلين، وهي هجمات آخذة في الازدياد.
تسترشد حماس بأيديولوجية إسلامية، وتدافع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن الماركسية اللينينية، القوى الماركسية اللينينية الأخرى، حزب الله في لبنان، ومختلف قوى التحرير الوطني الأخرى في فلسطين، بما في ذلك اللاجئين الفلسطينيين في البلدان المحيطة، جميعهم يشاركون بشكل مباشر أو غير مباشر في هذه الحرب. ولذلك فمن الخطأ وصف هذه الحرب بأنها حرب بين إسرائيل وحماس أو بين إسرائيل وغزة، هذا فصل جديد ومرحلة جديدة في حرب التحرير الوطني للشعب الفلسطيني ضد الحكم الاستعماري الصهيوني.
تختلف المنظمات المشاركة في وجهات نظرها الأيديولوجية، ومع ذلك، هناك موقف مشترك يوحدها، فجميعها ترفض الحلّ الثنائي القومية. وبحسب هذه الخطة، التي تدعمها الولايات المتحدة، ستكون هناك دولة يحكمها الصهاينة ودولة أخرى تمنح بعض الأراضي للفلسطينيين، وهو وضع غير مقبول بالنسبة للمنظمات الفلسطينية المحاربة. لقد قبلت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات هذه الخطة الإمبريالية، وكخطوة في هذا الاتجاه، مُنح الفلسطينيون بعض الحكم الذاتي تحت سيطرة الدولة الصهيونية. ورغم أنّ الإدارة الفلسطينية لها علمها الخاص وعضويتها في الأمم المتحدة، إلا أنها في الواقع ليست أكثر من حكومة بلدية، وكثيراً ما استُخدمت الشرطة لمهاجمة المنظمات المسلّحة وسجن قادتها وناشطيها، وهذا ما تواصل فعله حتى الآن.
وفي المقابل، تدعو المنظمات المنخرطة في الانتفاضة الحالية إلى التحرير الكامل لفلسطين، وهذا ما جاء بوضوح في شعارها: "حرروا الوطن من النهر إلى البحر !" ويعني ذلك من الحدود الشرقية بمحاذاة نهر الأردن غرباً حتى البحر الأبيض المتوسط، وهذا يعني التدمير الكامل للدولة الاستعمارية الاستيطانية المعروفة باسم إسرائيل. وهذا هو الموقف الذي أعلنته هذه المنظمات.
ويدّعي المعسكر الذي تقوده الإمبريالية الأمريكية أنّ هذا يعني تكرار المحرقة التي ارتكبها النازيون، فحماس هي أهمّ مشارك في هذا النضال الموحّد، وهناك من يرى أن هذه المحرقة ستكون نتيجة حتمية لأنّ حماس ذات أيديولوجيا إسلامية. فماذا تقول حماس؟
توضّح وثيقة المبادئ والسياسات العامّة التي تبنّتها حماس عام 2018 أنّ صراعاتها هي ضدّ المشروع الصهيوني، وليس ضدّ اليهود بسبب دينهم، وتَذكر أنّ حماس تحارب اليهود ليس لأنّهم يهود، بل تحارب الصهاينة الذين يحتلون فلسطين. وتشير الوثيقة إلى أنّ الصهاينة هم الذين يربطون باستمرار اليهودية واليهود بمشاريعهم الاستعمارية واحتلالاتهم غير القانونية. كما تُذكّرنا بأن المسألة اليهودية ومعاداة السامية واضطهاد اليهود هي ظواهر مرتبطة بشكل أساسي بالتاريخ الأوروبي، وليس بتاريخ أو تراث العرب والمسلمين، وتعلن أن فلسطين ستظل دائماً نموذجاً للتعايش والتسامح والإبداع الحضاري.
أمّا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فهي لا تقبل بدولة إسرائيل، كما تعتقد أن الدولة الفلسطينية الواحدة هي الحل الوحيد، وتعلن أنّ هدفها هو إنشاء شعب فلسطيني ديمقراطي يعيش فيه العرب واليهود دون تمييز، دون طبقات واضطهاد قومي، مما يسمح للعرب واليهود بتطوير ثقافتهم الوطنية. ولدى المنظمات الأخرى في هذا الاتحاد أيضًا وجهات نظر مشابهة لتلك التي تدافع عنها هاتان المنظمتان الرائدتان، ولا يرى أحد منها ضرورة إبادة اليهود بالجملة أو طردهم من هذه الأراضي، إلّا أنّها تصرّ جميعاً على التدمير الكامل للدولة الصهيونية الاستعمارية.
ومن ناحية أخرى، بذلت الطبقة الحاكمة قصارى جهدها لتنفير كل العرب منذ قيام الدّولة الصّهيونيّة. لقد اتبعت دائمًا سياسة التمييز ضد الفلسطينيين، سواءً كان ذلك في ما يتعلق بحقوق الإنسان أو الموارد مثل الأراضي الزراعية والمياه. لقد انتهكت مرارا وتكرارا الاتفاقيات الدولية وقامت باستمرار بتوسيع المستوطنات الصهيونية. لقد داست على ممارسات الفلسطينيين الثقافية ومعتقداتهم الدينية، وقد طبقت باستمرار سياسات عنصرية وتمييزية. ويستمر هذا الوضع منذ عقود، بغض النظر عن الحزب السياسي الموجود في الحكومة، فدستور هذه الدّولة ينصّ بوضوح على أن إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، بالإضافة إلى ذلك، يُذكر أن حق تقرير المصير في إسرائيل خاص بالشعب اليهودي فقط.
إنّه لدينا، من جهة، طبقة حاكمة استعمارية عنصرية ودولتها عنصرية وكذلك جيشها الذي تدعمه القوى الإمبريالية بكل الطرق (الإمبريالية الأمريكية تساهم بـ 3 مليارات دولار سنوياً لدولة إسرائيل). ومن جهة أخرى، فإنّ القوى التي تناضل من أجل إقامة فلسطين حرّة يستطيع جميع المواطنين، بغض النظر عن معتقداتهم الدينية، أن يعيشوا دون تمييز وقمع. هذا هو المحتوى السياسي لهذه الحرب، فأيّ جانب يجب أن يختاره من يقف إلى جانب الديمقراطية والعدالة ويدافع عن تحرير الشعب ؟ الإجابة واضحة.
السّمة الأخرى المميزة لهذه الحرب هي هذه، إنّه تذكير قوي لشعوب العالم بأن المظلومين يمكنهم التغلّب على وهزيمة حتى التكنولوجيا وأنظمة المراقبة الأكثر تقدمًا وحداثة. إنّ غزّة محاطة بالكامل بأسوار "ذكيّة" تتكوّن من أسلاك شائكة وأبراج مراقبة وأجهزة استشعار ترصد النشاط تحت الأرض، فجميع الاتصالات الهاتفية والإشارات الإلكترونية تحت المراقبة الكاملة، وقد تغلّب مقاتلو التحرير الفلسطينيون على كل واحدة منها، وعبروا الحدود ووجّهوا ضربة قويّة.
في التحليل النهائي، النصر لا يتمّ تحديده عن طريق التكنولوجيا ولكن عن طريق تصميم الشعوب على القتال والفوز. "من يجرؤ على القتال، يجرؤ على الفوز"، كلمات ماوتسي تونغ هذه تؤكّدها مرّة أخرى الأعمال الشّجاعة التي قام بها المقاتلون الفلسطينيون.
لقد شهد العالم ذلك بالفعل خلال حرب فيتنام والعديد من حروب التحرير الأخرى، والآن يرى ذلك في حروب الشعوب الجارية. لا توجد تكنولوجيا في العالم لا يمكن هزيمتها بتصميم وإبداع الجماهير، وإذا اعتقد شخص ما أن الشعب لا يستطيع مقاومة تكنولوجيا العدو المتقدمة، فهذا مجرّد جبن وتفكير انهزامي. وعلاوة على ذلك، فإن التكنولوجيا ليست مستعصية على الحلّ أو بعيدة المنال في يومنا هذا، حيث يمكن للناس السيطرة عليها. إنّ اللقطات التلفزيونية لبعض منصات إطلاق الصواريخ الفلسطينية التي شوهدت في المراحل الأولى من هذا الهجوم دليل على ذلك، هذه هي الأشياء التي يمكن لأي شخص إنتاجها باستخدام المواد المشتراة من متجر الأجهزة وآلة اللحام. لقد تمّ التغلب على التكنولوجيا الأكثر تقدمًا بمواد بسيطة جدًا، علاوة على ذلك، فقد أصبح منتجًا بكميات كبيرة، لقد تمّ التغلب على التخلف في الجودة انطلاقا من الكمية.
وكان الصهاينة يتفاخرون بـ "القبة الحديدية" التي يمكنها مقاومة أيّ هجوم صاروخي. فبكشف إطلاق أيّ صاروخ يتجه نحو إسرائيل سيتم إطلاق صاروخ مضادّ على الفور وسيتم تدمير الصاروخ القادم في الجو. نعم، لقد تمكّنوا من القيام بذلك في الماضي. لكن هذه المرة كانوا يواجهون آلاف الصواريخ، كان من المستحيل إسقاطها جميعًا مرّة واحدة، فالعديد منها اخترقت «القبة الحديدية» وأصابت أهدافها. كيف تمكّنت قوات التحرير الفلسطينية من جمع هذا المخزون الصاروخي الضخم ؟ لم يكن لديها مصانع أسلحة كبيرة ولم تتمكّن من تشغيلها ولم يكن لديها الموارد أيضا، إنّ كلّ ما كان لديها هو الجماهير. لقد أصبح المستحيل ممكنا بفضل مشاركة الجماهير وإبداعها، وعندما تم تنظيم ومركزة هذه الإمكانات المشتتة، تحوّلت إلى قوة هائلة قادرة على تحطيم بنية العدوّ. تمكّن آلاف المقاتلين من دخول الأراضي التي يسيطر عليها الغزاة وشن هجمات ناجحة، واللافت أنهم تمكنوا من البقاء هناك ومواصلة القتال لعدة أيام وتم توفير الذخيرة وتعزيزات المحاربين لتحل محلّ القتلى والجرحى في الاشتباكات.
وبعد يوم أو يومين، بدأت تقارير تظهر في الصّحافة الغربية تزعم أن الصهاينة كانوا على علم بهجوم وشيك لكنهم ظلوا صامتين عمدا، وقيل إن ضابط مخابرات مصري أبلغ الحكومة الإسرائيلية أن شيئا كبيرا يحدث في غزة، وقيل إنهم سمحوا بحدوث ذلك حتى يتمكنوا من استخدامه كذريعة لشن هجوم شامل لتدمير حماس بالكامل. تبدو هذه، للوهلة الأولى، محاولة لحرمان المظلوم من أي إبداع أو إمكانات؛ للتغطية على الفشل الذريع لتكنولوجيا الظالم. لكن لنفترض أن هذا صحيح، وحتى ذلك الحين، هناك شيء أساسي هنا، إنّ جميع الطبقات المستغِلّة في كل مكان وفي كل الأوقات كانت لديها، ولا تزال، فكرة متعجرفة مفادها أنّ المضطهَدين غير قادرين على شن هجوم كبير ضدها، لذلك، فحتى لو كان لديهم (الصّهاينة) بعض المعرفة المسبقة، فإنهم غالبًا ما يفشلون في منعها، وهذا ضعف ناشئ عن شخصيتهم الطبقية.
وأثارت القفزة الجديدة في حرب التحرير الفلسطينية قلقاً كبيراً، خاصة بين المستوطنين اليهود في المستوطنات الجديدة، هذه هي السمة المميزة الثالثة للحرب الحالية، وكان هذا واضحا لبعض الوقت. الآن هناك زيادة كبيرة في هذا القلق، فقد زاد عدد اليهود الذين غادروا بشكل كبير، وقال الزعيم الصهيوني نتنياهو إن هذه الحرب ستغير وجه غرب آسيا إلى الأبد، سيحدث بالتأكيد، والصور التي تم بثها من مطار تل أبيب تثبت ذلك بوضوح. لقد جاء المستوطنون من بلدان مختلفة ومعظمهم يحملون جنسية مزدوجة، وبعد الهجوم الجديد لقوات التحرير الفلسطينية، زاد الطلب على جوازات سفر الدول الأخرى، أمّا أولئك الذين يحملون جنسية مزدوجة فيعتمدون عليها بشدة للخروج.
ادّعت الدولة الصهيونية منذ البداية أن إسرائيل تأسست لتكون ملجأ لليهود من جميع أنحاء العالم. في الواقع، فإن تمييز اليهود الأوروبيين والتمييز ضد اليهود القادمين من الدول الآسيوية والأفريقية أمر متأصل في الدولة الصهيونية. وقد بدأ العديد من الذين هاجروا إلى هناك يدركون أن البلاد لم تكن في الواقع "الأرض" الموعودة، ولم يكن هذا بسبب النضال من أجل التحرير الوطني الفلسطيني فقط، بل لأنّ إسرائيل هي واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة. فتركّز الثروة مرتفع للغاية في إسرائيل، وعلى الرغم من كل القشرة الرأسمالية، فإن السيطرة الاقتصادية تظل في أيدي نحو عشرين عائلة يهودية، وتمتلك هذه العائلات حوالي 60 بالمائة من دخل البلاد، وهي، مثل أي طبقة حاكمة أخرى، تجد نفسها في وضع صعب، فإن الطبقة الحاكمة الصهيونية تشجع القوى الدينية المحافظة للغاية، ونتنياهو المتّهم في قضية فساد، وأملاً في التهرب من الدعوى المرفوعة ضده، أسس حكومته على أساس هذه القوى، وتمّ تنفيذ القوانين التي تم سنها لضبط ومنع أي تدخل من قبل المحكمة العليا بدعم من هذه القوى. وقد أدت هذه الخطوات التي اتخذها الحكام الحاليون إلى استياء كبير، وسرى احتجاج قوي بين اليهود، فأعلن العديد من الشباب اليهود أنهم لا يريدون الخدمة كجنود احتياط في الجيش كما يقتضي القانون. ومن قبل أن يبدأ الهجوم الجديد لحرب التحرير الفلسطينية كان الاستياء والانقسام مرتفعا بين اليهود.
وحاول نتنياهو استخدام الأسلوب الهجومي لتجاوز هذا الوضع الصعب، ودعا إلى تشكيل حكومة حرب طوارئ تضم جميع الأحزاب السياسية في استعراض "للوحدة الوطنية". وقد خلق الهجوم الفلسطيني وضعا متوترا للغاية داخل إسرائيل، ورداً على ذلك، ظهرت وحدة واسعة بين اليهود. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل هذا، لم يكن ناجحا كما أراد، فقد رفض أكبر حزب معارض الانضمام إلى حكومة الحرب وأوضح أنه لن يشارك إلا بعد إزالة الأحزاب الدينية الأرثوذكسية من الحكومة، وبعد يوم واحد فقط من الهجوم الفلسطيني، أعلنت صحيفة هآرتس، ثالث أكبر صحيفة إسرائيلية انتشاراً، في افتتاحيتها أن نتنياهو هو المسؤول الوحيد عن الحرب وقالت إن ذلك كان نتيجة مباشرة للطريقة التي استفز بها، مع أصدقائه السياسيين المتدينين الأرثوذكس، الفلسطينيين. وهذا يدل على أن الانفصال مستمر، كما يشير إلى عمق الانقسامات داخل الطبقة الحاكمة الصهيونية، ومن الممكن أن يكون هذا الوضع مرتبطا بالخلافات بين بعض القوى الإمبريالية الأوروبية، مثل فرنسا، مع الولايات المتحدة. ومن المؤكد أن الهجوم الذي شنته قوات التحرير الفلسطينية عزز الرأي العام اليهودي دفاعًا عن الحكم الاستعماري الصهيوني بأي ثمن، ومن ناحية أخرى، فإن الوحدة القوية التي أظهرها السكان اليهود في الماضي ليست واضحة الآن، وهذا أيضًا عامل مهم، فكلّما طال أمد الحرب كلّما كان تأثيره أكبر على مسار الحرب.
لقد أدّى الهجوم الحالي الذي يشنه الفلسطينيون إلى قلب سياسات الولايات المتحدة في غرب آسيا رأساً على عقب، وهذه نتيجة مهمة ولها عواقب بعيدة المدى. لقد كان الإمبرياليون الأمريكيون يحاولون ضمان تقارب الدول العربية مع الدولة الصهيونية لعدة سنوات، وقد تم تشجيع ذلك حتى تتمكن الولايات المتحدة من تقليص وجودها في هذه المنطقة من أجل التركيز على احتواء الصين وروسيا. فخلال رئاسة ترامب، ارتبطت الإمارات والبحرين بالولايات المتحدة من خلال اتفاقيات إبراهيم، وفي عهد بايدن، تم دفع السعودية نحو اتفاق مماثل، وتهدف هذه الخطوة من جانب بايدن أيضًا إلى منع توطيد العلاقات السعودية الإيرانية النّاشئة حديثًا تحت رعاية الصين، وكان السعوديون على وشك التوقيع على الاتفاقية، لكنّ الهجوم الفلسطيني أدى إلى تغيّر الوضع بشكل جذري. كان على حكام المملكة العربية السعودية أن يتراجعوا، علاوة على ذلك، كان عليهم أن يدينوا الصهاينة علانية باعتبارهم المحرضين على الحرب وسببها. إنّ القصف المستمر لغزة، وخاصة المستشفى الأهلي المعمداني، قد أغلق الباب بالقوة أمام أي اتفاق مع الصهاينة في المستقبل القريب.
وهذه الانتكاسة للمصالح الأمريكية هي السبب الرئيسي وراء نشر قوة بحرية وبرية كبيرة على ساحل غزة. وكان هذا هو الدافع الأساسي وراء التصريح الذي أدلى به بايدن مباشرة بعد الهجوم الفلسطيني، والذي هدد فيه بأنه "لا ينبغي لأحد أن يفكر في استخدام هذا الوضع"، وعلى الرغم من أن "الشخص" الواضح هو إيران وروسيا والصين، إلا أن كلماته كانت موجهة أيضًا إلى الدول العربية، وكان هذا بمثابة تحذير لها من التفكير في توثيق العلاقات مع المعسكر الإمبريالي الذي تشكله الصين وروسيا، ومع ذلك، فإن القوى الحالية لهذه البلدان تجعل الأمور معقدة للغاية بالنسبة للإمبرياليين الأمريكيين، فالصين تمتلك رأس المال والقدرة التكنولوجية اللازمة لتلبية الاحتياجات الحالية لغرب آسيا، وأظهرت روسيا أنها قادرة على الصمود في وجه الجهود الحربية المشتركة للمعسكر الإمبريالي الأمريكي.
بعد القصف الدنيء لمستشفى غزة، اندلع الغضب في العالم، ومع ذلك، فقد اهتم بايدن بشكل خاص بإنقاذ الدولة الصهيونية من اللوم. وبينما تبذل الولايات المتحدة قصارى جهدها للدفاع عن الوكالة الصهيونية، يجب عليها أيضًا أن تحبط تحركات المعسكرات الإمبريالية المنافسة في غرب آسيا، ويجب عليها المناورة للحفاظ على ولاء الأنظمة الكمبرادورية في تلك المنطقة. لذا، فبعد ستة أيام من بدء القصف القاتل على غزة، بدأ المسؤولون الأميركيون وغيرهم في المعسكر الأمريكي يتحدثون عن المخاوف "الإنسانية"! ويدّعي بايدن الآن أنه "أقنع" نتنياهو بالسماح بدخول إمدادات المساعدات إلى غزة من مصر، وهي عشرون شاحنة لمليوني شخص ! وبينما يحدث كل هذا، يستمر هطول القنابل، وقد تم استخدام القنابل التي تحتوي على الفسفور الأبيض، وهي مادة كيميائية محظورة، عدة مرات. ينتهك الصهاينة جميع القوانين الدولية المتعلقة بالحرب بشكل متهور لدرجة أنه حتى المنظمات الدولية الموالية للولايات المتحدة مثل منظمة الصحة العالمية تحتج علانية، ومع ذلك، فإن المعسكر الإمبريالي الأمريكي ما زال يكتفي بدعوة الدولة الصهيونية وجيشها إلى أن يكونوا "محترفين" في تصرفاتهم، وفي الوقت نفسه، أطلقوا في بلادهم العنان لكلاب الحراسة لمهاجمة أي شخص يخرج إلى الشوارع لإدانة الإبادة الجماعية الصهيونية واحتلال الفلسطينيين.
هناك بعض القوى التقدمية التي تؤيد تحرير فلسطين، لكنها متردّدة في اتخاذ موقف ضد الحرب المتواصلة، وذلك لأن حماس وبعض التنظيمات التابعة لها تدافع عن الفكر الإسلامي. هذه القوى مخطئة، فهي لا تعطي الأولوية لسياسة الحرب. الحرب هي استمرار للسياسة، يجب علينا أن نقرر ما إذا كانت الحرب عادلة أم غير عادلة من خلال النظر إلى سياستها. هذه هي الطريقة العلمية الوحيدة لتحديد من هو على حق ومن هو على خطأ ومن يشن حربا عادلة، وبطبيعة الحال. ينبغي أيضاً أن تؤخذ في الاعتبار طبيعة القوى المشاركة في حرب عادلة، لكن هذا أمر ثانوي عند اتخاذ موقف من هذه الحرب. وحتى لو انتهك أحد المشاركين في حرب عادلة بعض قواعد قانون الحرب، فإن ذلك لا يغير طبيعة تلك الحرب، وإذا حدثت مثل هذه الانتهاكات فيجب انتقادها بعد اتخاذ موقف مؤيد للجانب العادل، وإلا فإن هذا سيؤدي إلى السلبية، والأسوأ من ذلك، الدعم غير المباشر للجانب المخطئ في الحرب.
مباشرة بعد بدء الهجوم، ذكرت وسائل الإعلام الإمبريالية الغربية أن المحاربين الفلسطينيين اغتصبوا النساء اليهوديات وقطعوا رؤوس الأطفال، وكرّر بايدن هذا، ومع ذلك، سرعان ما اضطر المتحدث باسم البيت الأبيض إلى الاعتراف بعدم وجود مثل هذه الأخبار النهائية. وسواءً كان الأمر يتعلق بالاغتصاب أو بقطع رؤوس الأطفال، فإن الإعلاميين الذين حاولوا العثور على مصدر الأخبار لم يتمكنوا من العثور على أي شيء. ما يسمعه شخص، يسمعه آخر، وما إلى ذلك، وبخلاف الاستماع، لم يكن هناك شهود على مكان وزمان وقوع الحادث بالضبط، ومن الواضح أن القصة وضعت عمدا كجزء من الحرب النفسية الصهيونية، والهدف منها هو التحريض على الكراهية ضد قوى التحرير الفلسطينية وكسب الجماهير أو تحييدها، خاصة في أوروبا وأمريكا. ومثال آخر على ذلك هو استمرار التستر على المجزرة اللاإنسانية في مستشفى غزة، فمثلاً، أعلن موقع "ألت نيوز" Alt News أن الصورة التي قدمها الصهاينة لـ"إثبات" عدم مسؤوليتهم هي في الواقع صورة تم إنتاجها عام 2022! حيث نشرت قوات التحرير الفلسطينية صوراً تظهر قيام بعض مقاتليها بإساءة معاملة أسرى الحرب الصهاينة، هذا خطأ، ولا يمكن لأي جريمة من جانب الصهاينة أن تغض الطرف عن ذلك، ونحن إذ ننتقد مثل هذه التصرفات، لا ينبغي أن ننسى أن هذا ليس نهجا عاما، وليس هذا هو النهج الرسمي للمنظمات المشاركة في الحرب.
أمّا في ما يتعلق بالهجوم على المستوطنات اليهودية، فلا بد أولا من معرفة الطبيعة الحقيقية لهذه المراكز. هذه هي البؤر الاستيطانية الصهيونية، والمستوطنون الذين يعيشون هناك ليسوا مدنيين عاديين، إنهم ناس مسلّحون، حيث يجب على جميع الشباب اليهودي الخضوع للتدريب العسكري الإلزامي. ويحق للأشخاص الذين يعيشون في المستوطنات حمل الأسلحة واستخدامها، وقد استخدموا هذه الأسلحة لطرد الفلسطينيين من أراضيهم ومواردهم المائية، بل حتى أنهم قتلوهم. وفي ضوء كل هذه الحقائق، لا يمكن اعتبارهم مدنيين أبرياء، لقد كانوا ولا زالوا جزءاً لا يتجزأ من العمليات الاستعمارية التي تقوم بها الدولة الصهيونية، لقد كانوا (ولا يزالون) يتمتعون بكل المزايا والامتيازات التي قدمت لهم، هكذا كانوا يعيشون هناك، لم يكونوا مدنيين عزلًا، بل جنودًا بملابس مدنية في الدولة الصهيونية، ولذلك فهم أهداف مشروعة لحرب التحرير الوطني الفلسطيني. إن مهاجمتهم وترهيبهم لدفعهم بعيداً هو عمل مشروع في هذه الحرب.
وأغلب الذين قتلوا في غزة قتلوا بالقنابل الصهيونية. إن القانون الدولي للحرب واضح جدًا في أن الأشخاص الذين يعيشون في الأراضي المحتلة لهم الحق في القتال بالأسلحة لتحديد مصيرهم، وهذا ما جاء بوضوح شديد في البروتوكول الأول الملحق باتفاقية جنيف الرابعة. وفي الوقت نفسه، فإن سلطة الاحتلال ملزمة بضمان حصول السكان الخاضعين للاحتلال على الغذاء والماء والخدمات الصحية وأماكن المعيشة المناسبة، ولهم الحق في الحماية من العنف والتمتع بحقوق الإنسان الأساسية. إنّ الحصار الذي يفرضه الصهاينة على سكّان غزة، والذي يحرمهم من الاحتياجات الأساسية مثل مياه الشرب والغذاء والوقود وحتى الرعاية الصحية، هو انتهاك واضح للقانون الدولي. والتبرير الذي يقدمونه هم ومرشدوهم الامبرياليون هو أن قوات المقاومة الفلسطينية تطلق الصواريخ من منازل المدنيين وتستخدم المدنيين كغطاء، يوجب عليهم أن يتصدوا لهذا الأمر حتى لا يتضرر المدنيون بسببه. وحتى لو تم قبول ذلك كحقيقة، فإنه لا يزال يشكل انتهاكًا للقانون الدولي، وبموجب القانون، فإن وجود قوة مسلحة في مبنى أو الاشتباه في أن أفراد قوة مسلحة يختبئون في مبنى لا يمكن أن يكون مبررًا لشن هجوم على ذلك المبنى.
وما نراه في كل هذه الأمثلة هو انتهاك واضح وموثق للقانون الدولي. بل على العكس من ذلك، فإن الاتهامات الموجهة ضد المقاتلين الفلسطينيين إما تم دحضها أو ظلت لا أساس لها من الصحة. وكان الصهاينة قد أصدروا أوامر تطالب بنقل كل من يعيش في الجزء الشمالي من قطاع غزة إلى الجنوب، وكان يجب أن يتم ذلك خلال 24 ساعة في المقام الأول. وأثارت استحالة مثل هذه الخطوة انتقادات عالمية، كان على الصهاينة أن يخففوا الموعد النهائي الذي أعطوه، ومع ذلك، حتى لو استغرقت هذه الهجرة القسرية 24 ساعة أو أكثر، فإنها لا تزال مستحيلة. أكبر المستشفيات في غزة موجودة في الشمال، إنها تكتظ بالجرحى، بعضهم في حالة حرجة. وحتى منظمة الصحة العالمية اضطرت إلى إعلان أن نقل المصابين إلى الجنوب سيكون بمثابة حكم بالإعدام، ولكن هذا ما يريده الصهاينة، كلما زاد عدد الفلسطينيين الذين يموتون، كلما كان ذلك أفضل لهم، وهم الذين ينقضون على كل من يلمّح ولو من بعيد إلى أن أرقام المحرقة موضع شك، وهم يطبقون باستمرار جميع الدروس التي تعلموها بشكل مباشر من جيوش هتلر النازية، ويصرخون طوال الوقت حول الفظائع التي تعرضوا لها، لقد أصبحت غزة غيتو وارسو اليوم.
القضية الفلسطينية هي من صنع الإمبريالية، فقد تم استيراد اليهود من الدّول الأوروبية إلى فلسطين تحت رعاية الإمبريالية البريطانية. لقد عاش العرب في هذه المنطقة لعدة قرون، كان هناك عدد قليل من السكان اليهود، يقتصر معظمهم على المدن، ثمّ هاجرت أعداد كبيرة من الناس نتيجة المذابح ضد اليهود في روسيا القيصرية ودول أوروبية أخرى في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ولكن حتى في ذلك الوقت، لم يصل عدد السكان اليهود في فلسطين قط إلى عُشر مجموع السكان، وتشير التقديرات إلى أن 3% فقط من اليهود في موجة الهجرة هذه وصلوا إلى فلسطين حيث غادر ما يقرب من مائة وأربعة وعشرين ألف يهودي أوروبا خلال هذه الفترة وكانت الغالبية العظمى منهم، حوالي مائة وعشرين ألفًا، ذهبوا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وفي وقت لاحق، بدأ عدد السكان اليهود في فلسطين في التزايد، وكان السبب الرئيسي لذلك هو مؤامرات الإمبريالية البريطانية.
كانت فلسطين جزءا من الإمبراطورية العثمانية التركية، التي كانت متحالفة مع ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى. ولكسب اليهود إلى جانبهم، قدّم البريطانيون وعدًا يُعرف باسم وعد بلفور، وقد نصّ هذا الإعلان على السماح لليهود بالاستقرار في فلسطين، وفي الوقت نفسه، كان البريطانيون يساعدون ويوجّهون حرب العصابات التي شنّها العرب ضد القوات العثمانية بعد أن وعدوهم بدولة مستقلة. وفي هذه الأثناء، وفي مفاوضات سرية مع الفرنسيين، أعدّ البريطانيون خطة لتقسيم الأراضي التي كانت تحت السيطرة العثمانية في ما بينهم عندما تنتهي الحرب، وهكذا أصبحت فلسطين تحت السيطرة البريطانية بعد انتهاء الحرب. لقد تبنّوا سياسة سمحت أحيانًا بالهجرة اليهودية وأحيانًا منعتها، وخلقت صراعات بين العرب واليهود، واستخدمت هذه الصراعات لتعزيز هيمنتهم في المنطقة.
لقد أدّى هجوم الإبادة الجماعية الذي ارتكبه النظام النازي على اليهود إلى خلق تعاطف عالمي مع محنة اليهود، وقد استفادت الحركة الصهيونية التي تشكلت في سنوات ما بين الحربين العالميتين من ذلك، لقد دُعّم بنشاط هجرة اليهود من أوروبا إلى فلسطين، ثم أعلنوا أنّ إسرائيل قد تأسست كأمّة يهودية. تأسست إسرائيل عام 1948، ودعّمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، بقيادة ستالين، ذلك، مع الأخذ في الاعتبار معاناة اليهود في ظل النظام النازي والمذابح السابقة، كان هذا خطأ. وسرعان ما صحّح الاتحاد السوفياتي هذا الخطأ وبدأ بدعم القضية الفلسطينية، ومع ذلك، استمرّ الضّرر النّاجم عن هذا الخطأ. وخرجت الأمم المتحدة بمقترح لتقسيم المنطقة إلى قسمين، ومع ذلك، فإنّ معظم هذه الأراضي ستقع تحت السيطرة اليهودية، وبطبيعة الحال، كان هذا غير مقبول بالنسبة للفلسطينيين. ومنذ ذلك الحين، قامت الدولة الصهيونية بتوسيع المنطقة الخاضعة لسيطرتها من خلال الحرب مع الدول العربية المجاورة وطرد الفلسطينيين من أراضيهم، أمّا أولئك الذين بقوا في فلسطين فقد أُعيد توطينهم قسراً في قطاع غزة والضفة الغربية.
وأدلت حكومة مودي (الهند) ببيان دعم للدولة الصهيونية فور الهجوم الفلسطيني، وأدانت هذا الهجوم ووصفته بأنه هجوم "إرهابي" نفّذته حركة حماس، وهي منظمة "إرهابية". وبعد بضعة أيام، أصدرت وزارة الخارجية، ظناً منها أن الدول العربية لن ترغب في هذا الدّعم المقدّم لدولة إسرائيل، بياناً أعلنت فيه استمرار دعم الهند لإقامة "دولة فلسطينية مستقلة" (أي دولة ثنائية الجانب)، وكان هذا بيانا رسميا دون أي أهمية. بعد انهيار الدولة الإمبريالية الاشتراكية السوفياتية، بدأت الطبقات الحاكمة الهندية في التحول نحو المعسكر الأمريكي، لقد ظلت تتعاون بشكل علني مع الدولة الصهيونية منذ ذلك الحين، وقد أقيمت العلاقات الدبلوماسية مع هذه الدّولة خلال إدارة حزب المؤتمر.
كان ناراسيمها راو رئيسًا للوزراء، وقد أصبحت هذه العلاقة أقوى منذ ذلك الحين، ثمّ أصبحت أقوى أكثر في ظل حكم سانغ باريفار من خلال مودي. وتهاجم الدولة الصهيونية الفلسطينيين هناك باستمرار، وهنا، وبدعم وحماية حكومة سانغي، يتعرض المسلمون والداليت والأديفاسيس للهجوم من قبل الفاشيين البراهمانيين الهندوتفا الذين أنتجتهم منظمة "أر أس أس" RSS . إنّ هذا التشابه ليس من قبيل الصدفة، فكلاهما عنصري، إنّ إيديولوجيات الصهيونية والبراهمانية عنصرية. لقد كانت الدولة الصهيونية دائماً في المعسكر الأميركي، وتقترب الطبقات الحاكمة في الهند منها على نحو متزايد، وهذا سبب مهم وراء اجتماع كلاهما معًا. دعونا لا ننسى أنه بينما كان الصهاينة يقصفون المدنيين في غزة، كانت حكومة مودي تفعل الشيء نفسه هنا، فقد قصفت قرويّي الأديفاسي في تشهاتيسجاره ثلاث مرات هذا العام.
ويجري الصهاينة كافة الاستعدادات لعملية برية شاملة ضد غزة، وهم يحسبون أنهم قادرون على تحقيق ذلك وتحقيق هدف تدمير حماس بشكل كامل، وكهدف ثانوي، سيحاولون ترحيل غالبية الفلسطينيين إلى مصر. لكنّ الأمور لن تسير بهذه الطريقة، لقد أثبتت حماس بالفعل قدرتها على مقاومة الهجمات البرية التي تستمر لعدة أيام، ويتم ذلك من خلال الاعتماد على شبكة أنفاق واسعة النطاق، وبما أن النضال أصبح الآن نضالاً موحداً تشارك فيه جميع القوى المسلّحة، فإن قوة المقاومة لقوى التحرير ستكون أكثر ديمومة من ذي قبل. وتظهر الهجمات الصاروخية التي تستمر من غزة حتى بعد مرور أيام قدرتها وقدرتها على الصمود. ستحاول قوى التّحرير بالتأكيد إطالة أمد الحرب، والقتال في أنقاض المدينة يمنح المدافعين دائمًا اليد العليا على القوة المهاجمة. ومن الواضح أن الصهاينة سيضطرون إلى دفع ثمن باهظ، ومع مرور الأيام، سيزيد هذا الوضع من تفاقم الخلافات السياسية داخل الكيان. وعلاوة على ذلك، من المتوقع أن تتحول الصراعات على الحدود اللبنانية والسورية إلى جبهات حرب شاملة، فهناك تقارير عن هجمات صاروخية وطائرات دون طيار على قواعد أمريكية في سوريا، وقد أعلنت إيران بالفعل أنها لن تقف مكتوفة الأيدي بينما يُذبح الشعب الفلسطيني. ويتزايد يوما بعد يوم احتمال تحول الحرب إلى حرب إقليمية كبرى تشارك فيها قوى مختلفة، ولا يمكن تجاهل إمكانية تحولها إلى حرب أوسع على نطاق عالمي.
تستعد جميع القوى الإمبريالية وبلدان العالم الثالث الكبرى للحرب، لكن لا أحد منهم مهتم بخوض الحرب الآن. يمكننا أن نفهم هذا ممّا يحدث في أوكرانيا، لكن الأمور لا تسير دائمًا وفقًا لخططهم. إنّ ديناميكيات التناقضات على المستوى العالمي يمكن أن تزعجهم، إنّ الهجوم الكبير الذي نفذته قوات التحرير الفلسطينية من خلال اختراق دفاعات الصهاينة أثار إعجاب المظلومين في جميع أنحاء العالم. إذا تكبد الصهاينة وأسيادهم الإمبرياليون خسائر فادحة خلال العملية البرية، فماذا سيكون تأثيرها على غرب آسيا والعالم بأسره ؟ سيحدث هذا في سياق يتصاعد فيه الصراع بين المعسكرين الإمبرياليين وفي عالم وصل فيه الاستغلال وعدم المساواة والقمع إلى أقصى حدوده. ولا تزال القوى الشعبية، وخاصة الطليعة الماوية، ضعيفة، ومع ذلك، فإن التناقض بين الأمم المضطهَدة والإمبريالية لا يزال قويا ومبدئيا.
ويمكن رؤية مسرح هذا التناقض في الأحداث التي تجري في منطقة الساحل الإفريقي. فقد تمّت الإطاحة بالحكام الفاسدين المدعومين من الإمبريالية الفرنسية في سلسلة من الانقلابات، ولعبت الإمبريالية الروسية أيضًا دورًا في هذا، ولكن سيكون من الحماقة اختزال هذا الأمر في مسألة صراع بين الإمبرياليين. إنّ ردّ الفعل الساحق للجماهير على هذه الانقلابات يكشف عن القاعدة الشعبية التي يستخدمها الإمبرياليون الرّوس في مناوراتهم، ويمكن توقع شيء مماثل إذا حدث الاحتمال الموضح أعلاه بالفعل، إذا حققت الإمبريالية الصينية أو الروسية مكاسب كبيرة في غرب آسيا، بمواردها النفطية الهائلة، فهل يستطيع المعسكر الإمبريالي الأمريكي تحمل تكاليف ذلك ؟
ماذا سيكون مسار الحرب الأوكرانية إذا تمكنت قوات التحرير الفلسطينية من إطالة أمد نضالها ؟ إلى متى يمكن للقوى الإمبريالية الغربية أن تستمر في تعزيز الجيشين الأوكراني والصهيوني ؟ ومن بين الاثنين، تعتبر الدولة الصهيونية أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية بالنسبة للمعسكر الإمبريالي الأمريكي. وإذا أصبح شنّ حربين بالوكالة أمراً مرهقاً للغاية، فبوسع المرء أن يتخيّل مشهداً حيث يضطر مرشدوهم حكّام أوكرانيا إلى قبول وقف إطلاق النار، ومن المحتمل أيضاً أن يكون هناك تراجع في التوسع المخطط لحلف شمال الأطلسي، والذي يشمل أوكرانيا. ماذا سيكون تأثير ذلك على الشعب الأوكراني ؟ ماذا ستكون التأثيرات بين شعوب أوروبا ؟ إدراك أنهم مجرد بيادق في لعبة أكبر، وفراغ التصريحات الإمبريالية بأنهم سيدافعون عن سيادة أوكرانيا بأي ثمن، وإدراك أن الحَكَم النهائي ليس مصالح الشعب بل مصالح القوى الإمبرياليّة. فكيف ستكون تداعيات ذلك كله بين الشعوب ؟
ومن الواضح أن المرحلة الجديدة من حرب التحرير الوطني الفلسطيني ستكون لها تداعيات تتجاوز حدود فلسطين، والمهمة التي تواجه القوى الشعبية هي أن تضع هذه الإمكانية في الاعتبار. وكما أشار ماو، "إما أن الثورة تمنع الحرب، أو أن الحرب ستؤدي إلى الثورة"، وفي كلتا الحالتين، فإن مهمّة القوى الثورية هي أخذ زمام المبادرة والمضي قدمًا، وهي واثقة تمامًا من قوة الشعب الهائلة. إنّ الهجوم الأخير في حرب التحرير الوطني الفلسطينية يثبت بشكل مقنع أن هذه القدرة الهائلة لا تزال موجودة في عالم اليوم وتنتظر أن يطلق لها العنان بكلّ مجدها الثوري.
--------------------------------------
19 أكتوبر 2023
ترجمة طريق الثّورة من موقع "الديمقراطية الجديدة"،
www.yenidemokrasi34.net موقع للرفاق الماويين في تركيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق